الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4638 - وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : استأذن رهط من اليهود على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : السام عليكم . فقلت : بل عليكم السام واللعنة فقال : " يا عائشة ! إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله " . قلت : أولم تسمع ما قالوا " قال : " قد قلت : وعليكم " . وفي رواية : " عليكم " ولم يذكر الواو . متفق عليه .

- وفي رواية للبخاري . قالت : إن اليهود أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : السام عليك قال : " وعليكم " فقالت عائشة : السام عليكم ، ولعنكم الله ، وغضب عليكم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " مهلا يا عائشة ! عليك بالرفق ، وإياك والعنف والفحش " . قالت : أولم تسمع ما قالوا ؟ قال : " أولم تسمعي ما قلت ، رددت عليهم ، فيستجاب لي فيهم ، ولا يستجاب لهم في " .

- وفي رواية لمسلم قال : " لا تكوني فاحشة ، فإن الله لا يحب الفحش والتفحش " .

التالي السابق


4638 - ( وعن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : استأذن رهط ) أي : قوم ( من اليهود على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : السام عليكم ) أي : وقال وعليكم لما سيأتي ( فقلت : ، بل عليكم السام ) أي : مفهوم ما تريدون من هذا اللفظ وتحرفونه لفساد المعنى ( واللعنة ) أي : زيادة عن ذلك ( فقال : يا عائشة ! إن الله رفيق ) ، أي : رحيم ( يحب الرفق ) أي : لين الجانب ، وأصل الرفق ضد العنف ( في الأمر كله ) أي : مهما أمكن في جميع الأمور ، وإلا فقد قال تعالى : واغلظ عليهم ، ( قلت : أولم تسمع ) أي : ألم ينكشف لك ولم تسمع ( ما قالوا ) أي : حين السلام عليك حيث أبدلوا السلام بالسام . ( قال : قد قلت : وعليكم ) أي : فقها لهذا المعنى ، والظاهر أن الواو لاستئناف المبني ( وفي رواية ) أي : عنها ، وإلا ففي روايات أخر أيضا ورد ( عليكم ولم يذكر الواو ) أي : بدون الواو ، وحاصله أنه - صلى الله عليه وسلم - عمل بمقتضى العدل فقال : عليكم أو وعليكم لقوله تعالى : وجزاء سيئة سيئة مثلها ، وأما عائشة - رضي الله تعالى عنها - فقد زادت في المعنى ، وتعدت عن المبني ، وتركت طريق اللطف ، واختارت سبيل العنف ، ولذا أرشدها - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفق المبني عليه باب المداراة وترك المعاداة والمعاناة كما قيل : ودارهم ما دمت في دارهم وأرضهم ما دمت في أرضهم . لكن الفرق بين المداراة والمداهنة مما خفي على كثير من الناس ، فسنبينه في محله اللائق به إن شاء الله سبحانه ، ثم في الحديث إشارة إلى ما في التنزيل : " وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير " ( متفق عليه ) .

( وفي رواية للبخاري ) أي : عنها ( قالت : إن اليهود أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : السام عليك . قال : وعليكم ، قالت عائشة : السام عليكم ، ولعنكم الله ، وغضب عليكم ) : الظاهر أن القصة متحدة ، وأن الاقتصار على ذكر اللعنة في الحديث السابق إما من الراوي وهو الأظهر لما في الحديث من الزيادات الأخر ، أو هو من باب الاكتفاء حيث مؤداهما واحد . ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهلا ) : مصدر لفعل محذوف أي : ارفقي رفقا ( يا عائشة ) . يحتمل أن يكون من متممات السابق ، وأن يكون من مقدمات اللاحق ، وهو قوله : ( عليك ) : بكسر الكاف ( بالرفق ) : بكسر الراء ، أي : بلين الجانب في القول والفعل والأخذ بالأسهل على ما ذكره السيوطي ( وإياك والعنف ) : بضم أوله ، وهو ضد الرفق ( والفحش ) : بضم أوله ، وهو في الأصل كل ما يشتد قبحه من الذنوب ، والمراد به هاهنا التعدي بزيادة القبح في القول والجواب ( قالت : أولم تسمع ما قالوا ؟ قال : أولم تسمعي ما قلت ، رددت عليهم ، فيستجاب لي فيهم ، ولا يستجاب لهم ) أي : إذا أرادوا بالسام الأمر المكروه المعبر عنه بالسام الذي معناه الموت ( في ) أي : في حقي .

( وفي رواية لمسلم . قال : لا تكوني فاحشة ) أي : قائلة للفحش ومتكلمة بكلام قبيح ( فإن الله لا يحب الفحش ) : وقد مر معناه ( والتفحش ) أي : التكلف في التلفظ بالفحش والتعمد فيه ، وإنما قال ذلك - صلى الله عليه وسلم - لها لقولها " واللعنة " أو " لعنكم الله " ، وفي هذا الحديث دلالة صريحة على جواز نقل الحديث بالمعنى ، إذ لا خلاف أنه مع كون القضية واحدة مختلف المبنى .

[ ص: 2942 ]



الخدمات العلمية