الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4499 - وعنه ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من تحلم بحلم لم يره " . كلف أن يعقد بين شعيرتين ، ولن يفعل ، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه ، صب في أذنيه الآنك يوم القيامة . ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها ، وليس بنافخ " . رواه البخاري .

التالي السابق


4499 - ( وعنه ) : أي عن ابن عباس ( قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من تحلم بحلم ) : الحلم بضم المهملة وسكون اللام ويضم ما يراه النائم ، وقد ضبطه المظهر بضمتين والنووي بضم فسكون ، وقال القاضي : الحلم بضمتين الرؤيا وحلم يحلم بالضم حلما رأى الرؤيا ، وتحلم إذا ادعى أنه رأى . وفي القاموس : الحلم بالضم وبضمتين الرؤيا جمعه أحلام ، حلم في نومه واحتلم وتحلم وانحلم ، وتحلم الحلم استعمله . وقال ابن حجر : تحلم أي تكلف الحلم ، وحاصل المجموع أن معناه من ادعى الرؤيا بحلم ( لم يره ) : أي في منامه ( كلف أن يعقد بين شعيرتين ، ولن يفعل ) : أي لن يستطع ذلك ، وهذا التكليف مع عدم قدرته عليه مبالغة في تعذيبه فيعذب به أبدا قال القاضي : أي عذب حتى يفعل ذلك ، فيجمع بين ما لم يمكن أن يعقد ، كما عقد بين ما سرده ، واختلق من الرؤيا ، ولم يكن يقدر أن يعقد بينهما ، وقيل : ليس معناه أن ذلك عذابه وجزاؤه ، بل إنه يجعل ذلك شعاره ليعلم به أنه كان يزور الاحتلام . ولفظة كلف تشعر بالمعنى الأول . وفي النهاية : إن قيل : إن كذب الكاذب في منامه لا يزيد على كذبه في يقظته ، فلم زادت عقوبته ووعيده ؟ قيل : قد صح الخبر أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة ، والنبوة لا تكون إلا وحيا ، والكاذب في رؤيا يدعي أن الله تعالى أراه ما لم يره ، وأعطاه جزءا من النبوة لم يعطه إياه ، والكاذب على الله تعالى أعظم فرية ممن كذب على الخلق أو على نفسه .

قال الطيبي : فيه أن هذه الرؤيا مخصوصة بما يتعلق بالإخبار عن الغيوب ، وأمور الدين . قلت : لم يخرج شيء من الرؤيا عن أمور الغيب ، فليس فيه ما يتوهم من الغيب . قال المظهر : إن هذا التغليظ في شأن من يقول : إن الله تعالى جعلني نبيا وأخبرني بأن فلانا مغفور أو ملعون ، أو بكذا وكذا ، أو أمرني النبي - صلى الله عليه وسلم - بكذا وكذا ، ولم يكن قد رأى ذلك ، وأما من يقول : أمرني الله بالطاعة واجتناب المعصية ، أو بوعظ الناس والبر إليهم ، وإن كان كاذبا في رؤياه إلا أن عذابه لم يكن مثل عذاب الآخر . قلت : لأن الآخر جمع بين كذبين ، مع أن الكذب يتفاوت في اليقظة أيضا ، فالأحسن حمل الحديث على عمومه ، كما هو ظاهر اللفظ : والعذاب على وفق الكذب ، وتفاوت مراتبه . نعم تخصيص الرؤيا إما لأنه مركب من الكذب ، أو لأنه من أشد أنواع الكذب لكونه افتراء على الله ، وادعاء للغيب والله أعلم . ويؤيده ما روى أحمد عن ابن عمر مرفوعا : " إن من أعظم الفرى أن يري الرجل عينه ما لم تره " .

( ومن استمع إلى حديث قوم وهم له ) : أي لاستماعه . ( كارهون ، أو يفرون منه ) : " أو " للشك ، والمعنى وهم يتبعدون منه ومن استماعه كلامهم ( صب ) : بضم صاد وتشديد موحدة أي سكب ( في أذنيه الآنك ) : بالمد

[ ص: 2854 ] وضم النون ومعناه الأسرب بالفارسية . وفي النهاية : هو الرصاص الأبيض ، وقيل الأسود ، وقيل الخالص ( يوم القيامة ) : الجملة دعاء كذا قيل ، والأظهر أنه إخبار كما يدل عليه السابق واللاحق ، وهذا الوعيد وإنما هو حق من يستمع لأجل النميمة ، وما يترتب عليه من الفتنة بخلاف من استمع حديث قوم ، ليمنعهم عن الفساد ، أو ليمتنع من شرورهم . ( ومن صور صورة ) : أي ذات روح أو مطلقا ( عذب وكلف ) : أي في ذات الروح تغليظا ( أن ينفخ ) : أي الروح كما في رواية ( فيها ) : أي في تلك الصورة ( وليس بنافخ ) : ونظيره من تحلم والله أعلم . ( رواه البخاري ) : وروى الجملة الأولى من الحديث : الترمذي ، وابن ماجه عنه بلفظ : " من تحلم كاذبا كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ولن يعقد بينهما " . وروى الطبراني الجملتين عنه بلفظ : " من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك ، ومن أرى عينيه في المنام ما لم تر كلف أن يعقد شعيرة - يعني بأخرى أو بنفسها - " وروى الجملة الأخيرة : من الحديث أحمد والشيخان والنسائي عنه بلفظ : " من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ " .




الخدمات العلمية