الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
92 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ( - صلى الله عليه وسلم - ) : يد الله ملأى لا تغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار ، أرأيتم ما أنفق مذ خلق السماء والأرض ؟ فإنه لم يغض ما في يده ، وكان عرشه على الماء ، وبيده الميزان يخفض ، ويرفع ) متفق عليه .

وفي رواية لمسلم : ( يمين الله ملأى - قال ابن نمير : ملآن - سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار )

التالي السابق


92 - ( وعن أبي هريرة ) : رضي الله عنه ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يد الله ) : كناية عن محل عطائه أي : خزائنه ( ملأى ) : على زنة فعلى ، تأنيث ملآن كناية عن كثرة تلك النعمة وعمومها ( لا تغيضها ) : بالتأنيث ، وقيل بالياء أي : لا تنقصها ( نفقة ) أي : إنفاق . ( سحاء ) : بالمهملتين ، والمد من سح الماء إذا سال من فوق ، ومن سححت الماء أي : صببته صفة لنفقة ، أو ليد ، وهو الأصح ، وقوله : ( الليل ، والنهار ) : منصوبان على الظرف أي : دائمة الصب في الليل والنهار ، وثبت في صحيح مسلم سحا بلفظ المصدر ، وفي رواية لمسلم : سح الليل ، والنهار بفتح الحاء ، والإضافة قاله الأبهري ، وفيه إشارة إلى أنها المعطية عن ظهر غنى ؛ لأن الماء إذا انصب من فوق انصب بسهولة ، وإلى جزالة عطاياه ؛ لأن السح يستعمل فيما بلغ وارتفع عن القطر حد السيلان ، وإلى أنه لا مانع لإعطائه لأن الماء إذا أخذ في الانصباب لم يستطع أحد أن يرده ( أرأيتم ) : أخبروني ، وقيل : أعلمتم ، وأبصرتم ( ما أنفق ) : ما مصدرية ، أي : إنفاق الله ، وقيل : ما موصولة متضمنة معنى الشرط ( مذ خلق السماء والأرض ؟ ) أي : من أول زمان خلق أهلهما ( فإنه ) أي : الإنفاق ( لم يغض ) : بفتح الياء ، وكسر الغين لم ينقص ( ما في يده ) : موصولة مفعول أي : في خزائنه . وقال الطيبي : يد الله ملأى أي : نعمته غزيرة كقوله تعالى ( بل يداه مبسوطتان ) فإن بسط اليد مجاز [ ص: 167 ] عن الجود ، ولا قصد إلى إثبات يد ولا بسط ؛ كذا في الكشاف . وقال المظهر : يد الله أي : خزائن الله . قيل : إطلاق اليد على الخزائن لتصرفها فيها ، والمعني بالخزائن قوله : ( كن فيكون ) لأنه له القدرة على إيجاد المعدوم ، ولذلك لا ينقص أبدا ، وقوله : ملأى ولا تغيضها ، وسحاء ، وأرأيتم على تأويل القول أي : مقول فيها أخبار مترادفة ليد الله ، ويجوز أن تكون الثلاثة الأخيرة وصفا لملأى ، وأن يكون أرأيتم استئنافا ، وقوله : ( وكان عرشه على الماء ) : حال من ضمير خلق ، وكذا قوله ( وبيده الميزان ) : حال منه ، أو من خبر كان ، أو اسمه على رأي سيبويه ، وسيأتي تحقيق معنى قوله : وكان عرشه على الماء في باب بدء الخلق ، ومعنى قوله بيده الميزان : بقدرته وتصرفه ميزان الأعمال ، والأرزاق ( يخفض ، ويرفع ) أي : ينقص النصيب ، والرزق باعتبار ما كان يمنحه قبل ذلك ، ويزيد بالنظر إليه . بمقتضى قدره الذي هو تفصيل لقضائه الأول ، أو يخفض ويرفع ميزان أعمال العباد المرتفعة إليه يقللها لمن يشاء ، ويكثرها لمن يشاء كمن بيده الميزان ؛ يخفض تارة ، ويرفع أخرى ، وقيل : المراد به العدل يعني ينقص العدل في الأرض تارة بغلبة الجور وأهله ، ويرفعه تارة بغلبة العدل وأهله ( متفق عليه ) .

( وفي رواية لمسلم ) : ( يمين الله ملأى ) : قيل : خص اليمين ؛ لأنها مظنة العطاء ، أو إشارة إلى يمن العطاء وبركته ، فمن تلقاه بالقبول والرضا بورك له في قليله حتى فاق على كثير ليس كذلك على ما هو مشاهد ، وورد في الحديث : ( وكلتا يديه يمين ) أي : مباركة قوية قادرة لا مزية لإحداهما على الأخرى ، ولعله أراد باليدين التصرفين من إعطاء الجزيل ، والقليل . ( قال ابن نمير ) : بالتصغير أي : عبد الله في روايته ( ملآن ) أي : رواه كذا . قال النووي : قالوا : هنا غلط منه ، وصوابه ملأى بالتأنيث كما في سائر الروايات . قال الطيبي : إن أرادوا رده رواية ، ونقلا فلا نزاع ، وإن أرادوا رده لعدم المطابقة ، فإن اليد مؤنثة فأمره سهل ؛ لأن معنى يد الله إحسانه وإفضاله . قلت : وفيه أنه لا يلائمه . قوله : ( سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار ) .




الخدمات العلمية