الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6183 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - أنه قال وهو آخذ بباب الكعبة : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها هلك " . رواه أحمد .

التالي السابق


6183 - ( وعن أبي ذر ) : قال المؤلف : هو جندب بن جنادة الغفاري ، وهو من أعلام الصحابة وزهادهم ، أسلم قديما بمكة ، ويقال : كان خامسا في الإسلام ، ثم انصرف إلى قومه فأقام عندهم إلى أن قدم المدينة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الخندق ، ثم سكن الربذة إلى أن مات بها سنة اثنين وثلاثين في خلافة عثمان ، وكان يتعبد قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - روى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين . ( أنه قال ) ، أي : أبو ذر ( وهو آخذ ) ، أي : متعلق ( بباب الكعبة ) : قال الطيبي : أراد الراوي بهذا مزيد توكيد لإثبات هذا الحديث ، وكذا أبو ذر اهتم بشأن روايته فأورده في هذا المقام على رءوس الأنام ليتمسكوا به ( سمعت النبي ) : وفي نسخة صحيحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ألا إن مثل أهل بيتي " ) : بفتح الميم والمثلثة أي شبههم ( " فيكم مثل سفينة نوح " ) ، أي في سببية الخلاص من الهلاك إلى النجاة ( " من ركب نجا ، ومن تخلف عنها هلك " ) . فكذا من التزم محبتهم ومتابعتهم نجا في الدارين وإلا فهلك فيهما ولو كان يفرق المال والجاه أو أحدهما . ( رواه أحمد ) . وكذا الحاكم لكن بدون لفظ أن قال الطيبي : وفي رواية أخرى لأبي ذر يقول : من عرفني فأنا من قد عرفني ، ومن أنكرني فأنا أبو ذر سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( ألا إن مثل أهل بيتي ) الحديث أراد بقوله : فأنا من قد عرفني ، وبقوله : فأنا أبو ذر أنا المشهور بصدق اللهجة وثقة الرواية ، وأن هذا الحديث صحيح لا مجال للرد فيه وهذا تلميح إلى ما روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لا أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر " وفي رواية لأبي ذر : من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر شبه عيسى ابن مريم فقال عمر بن الخطاب كالحاسد : يا رسول الله أفتعرف ذلك له ؟ قال : " أعرف ذلك فاعرفوه " . أخرجه الترمذي ، وحسنه الصغاني في كشف الحجاب شبه الدنيا بما فيها من الكفر والضلالات والبدع والجهالات والأهواء الزائغة ببحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعضه ، وقد أحاط بأكنافه وأطرافه الأرض كلها وليس منه خلاص ولا مناص إلا تلك السفينة ، وهي محبة أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما أحسن انضمامه مع قوله : مثل أصحابي مثل النجوم من اقتدى بشيء منه اهتدى ، ونعم ما قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره : نحن معاشر أهل السنة بحمد الله ركبنا سفينة محبة أهل البيت واهتدينا بنجم هدي أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فنرجوا النجاة من أهوال القيامة ودركات الجحيم ، والهداية إلى ما يوجب درجات الجنان والنعيم المقيم . اهـ .

وتوضيحه أن من لم يدخل السفينة كالخوارج هلك مع الهالكين في أول وهلة ، ومن دخلها ولم يهتد بنجوم الصحابة كالروافض ضل ، ووقع في ظلمات ليس بخارج منها ، هذا ورواه أحمد عن أنس مرفوعا : " إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة " . ويؤيده ما أخرجه أحمد في المناقب عن علي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض . اهـ .




الخدمات العلمية