الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنها تكون الظلمة والمطر والسيل وأنا رجل ضرير البصر فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين تحب أن أصلي فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          417 417 - ( مالك ، عن ابن شهاب ، عن محمود بن الربيع ) بن سراقة بن عمرو ( الأنصاري ) الخزرجي أبي محمد المدني ، صحابي صغير وجل روايته عن الصحابة أبو عمر ، قال يحيى : محمود بن لبيد غلط بين لم يروه أحد من أصحاب مالك ولا من أصحاب ابن شهاب إلا عن محمود بن الربيع ( أن عتبان ) بكسر المهملة ويجوز ضمها وسكون الفوقية ( ابن مالك ) بن عمرو بن العجلان الأنصاري السالمي ، صحابي شهير ، مات في خلافة معاوية ، ( كان يؤم قومه ) أي : حين لقيه محمود وسمع منه الحديث لا حين سؤاله للنبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                          ويبينه قوله في رواية يعقوب : فجئت إلى عتبان وهو شيخ أعمى يؤم قومه ، فلا يخالف رواية إبراهيم بن سعد ومعمر عند البخاري ، ويونس في مسلم ، والزبيدي والأوزاعي في الطبراني كلهم ، عن الزهري أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : قد أنكرت بصري ، وللطبراني من رواية أبي أويس : لما ساء بصري .

                                                                                                          وللإسماعيلي من طريق عبد الرحمن بن نمر : جعل بصري يكل ، وكل ذلك ظاهر في أنه لم يكن بلغ العمى إذ ذاك ، ويؤيد هذا الحمل رواية ابن ماجه من طريق إبراهيم بن سعد : لما أنكرت بصري .

                                                                                                          وقوله في مسلم من طريق سليم بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس ، عن عتبان : أصابني في بصري بعض الشيء ، فإنه ظاهر في أنه لم يكمل عماه ، لكن لمسلم من طريق حماد بن سلمة ، عن ثابت بلفظ أنه عمي فأرسل ، وجمع ابن خزيمة بين رواية مالك وغيره من أصحاب ابن شهاب ، فقال قوله : قد أنكرت بصري هذا اللفظ يطلق على من في بصره سوء وإن كان يبصر بصرا ما ، وعلى من صار أعمى لا يبصر شيئا ، انتهى ، والأولى أن يقال : أطلق عليه العمى لقربه منه ومشارفته له في فوات ما كان يعهده في حال الصحة وبهذا تأتلف الروايات .

                                                                                                          ( وأنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ظاهره مشافهة وهو أيضا ظاهر رواية الليث أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                          ولمسلم في رواية ثابت ، عن أنس ، عن عتبان : أنه بعث إلى النبي ، فيحتمل أنه نسب إتيان رسوله إلى نفسه مجازا ، لكن في الطبراني ، عن أبي أويس ، عن ابن شهاب بسنده أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم جمعة : لو أتيتني يا رسول الله ، وفيه أنه أتاه يوم السبت ، فظاهره أن مخاطبة عتبان بذلك حقيقة لا مجازا ، فيحمل على أنه أتاه مرة وبعث إليه أخرى إما متقاضيا وإما مذكرا .

                                                                                                          ( إنها تكون الظلمة والمطر والسيل ) سيل الماء ، وفي رواية الليث : وأنا أصلي لقومي ، فإذا كانت الأمطار سال [ ص: 597 ] في الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم .

                                                                                                          ( وأنا رجل ضرير البصر ) أي : أصابني منه ضر فهو كقوله : أنكرت بصري ، قال أبو عمر : أي ناقصه فإذا عمي أطلق عليه ضرير من غير تقييد بالبصر ، وذكر هذه الأربعة ، وإن كفى كل واحد منها في عذر ترك الجماعة ؛ ليبين كثرة موانعه ، وإنه حريص على الجماعة .

                                                                                                          ( فصل يا رسول الله في بيتي مكانا ) بالنصب على الظرفية وإن كان محدودا لتوغله في الإبهام فأشبه خلف ونحوها أو على نزع الخافض ؛ أي : في مكان ( أتخذه ) بالجزم في جواب الأمر ؛ أي : إن تصل أتخذه وبالرفع ، والجملة في محل نصب صفة مكانا أو مستأنفة لا محل لها ( مصلى ) بالميم موضعا للصلاة ( فجاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وفي رواية الليث : " فغدا علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر " زاد الإسماعيلي بالغد ، ولم يذكره جمهور الرواة عن ابن شهاب غيره ، حتى أن في رواية الأوزاعي فاستأذنا فأذنت لهما ، لكن في رواية أبي أويس ومعه أبو بكر وعمر ولمسلم عن أنس ، عن عتبان فأتاني ومن شاء الله من أصحابه .

                                                                                                          وللطبراني في نفر من أصحابه قال الحافظ : فيحتمل الجمع بأن أبا بكر صحبه وحده في ابتداء التوجه ، ثم عند الدخول أو قبله اجتمع عمر وغيره فدخلوا معه ، ( فقال : أين تحب أن أصلي ؟ ) من بيتك ( فأشار ) عتبان ( له ) - صلى الله عليه وسلم - ( إلى مكان من البيت ) معين ( فصلى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وفي رواية الليث : " فلم يجلس حين دخل البيت ثم قال : أين تحب أن أصلي من بيتك ؟ فأشرت له إلى ناحية من البيت فقام فكبر فقمنا فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم " .

                                                                                                          وفي رواية يعقوب عند البخاري والطيالسي : فلما دخل لم يجلس حتى قال : أين تحب ؟ وهي أبين في المراد ؛ لأن جلوسه إنما وقع بعد صلاته بخلاف ما وقع منه في بيت مليكة جلس فأكل ثم صلى ؛ لأنه هناك دعي إلى طعام فبدأ به وهنا دعي إلى الصلاة فبدأ بها .

                                                                                                          وفيه إمامة الأعمى ، وإخبار المرء بعاهة نفسه ، ولا يكون من الشكوى ، والتخلف عن الجماعة لعذر ، واتخاذ موضع معين للصلاة ، والنهي عن إيطان موضع من المسجد معين عند أبي داود ؛ محمول على ما إذا استلزم رياء ونحوه ، وفيه غير ذلك .

                                                                                                          وأخرجه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس .

                                                                                                          حدثني مالك به ، ورواه مسلم وغيره وله طرق كثيرة بزيادات على ما هنا في الصحيحين وغيرهما .




                                                                                                          الخدمات العلمية