الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          المسألة الحادية عشرة : في زعم بعض المقلدين أن الآية تدل على وجوب التقليد :

                          هذه المسألة أظهر من سابقتها في جعل الآية دليلا على ضد المراد منها فإنها مبينة لأركان الاجتهاد وشارعة له ، وقد جعلها بعض الجاهلين حجة على وجوب التقليد ، فزعموا أن تفسير أولي الأمر بالعلماء المجتهدين يدل على ذلك ، وهو ظاهر البطلان ، فإن الذين فسروا بذلك أرادوا به أن إجماعهم حجة يجب العمل به على المجتهد وغير المجتهد ، لا أن كل عالم مجتهد يجب أن يتبع ، فإن طاعة أفراد المجتهدين تتعارض باختلافهم ، وطاعة الجميع إذا أجمعوا هي الممكنة ، على أن الطاعة غير الاتباع ، قال صاحب " فتح البيان في مقاصد القرآن " ما نصه :

                          " ومن جملة ما استدل به المقلدة هذه الآية ، قالوا : وأولو الأمر هم العلماء ، والجواب أن للمفسرين في تفسيرها قولين ، أحدهما : أنهم الأمراء ، والثاني : أنهم العلماء كما تقدم ، ولا يمتنع إرادة الطائفتين من الآية الكريمة ـ أي معا ـ ولكن أين هذا من الدلالة على مراد المقلدين ؟ فإنه لا طاعة لأحدهما إلا إذا أمروا بطاعة الله على وفق سنة رسوله وشريعته ، [ ص: 179 ] وأيضا العلماء إنما أرشدوا غيرهم إلى ترك تقليدهم ، ونهوهم عن ذلك كما روي عن الأئمة الأربعة وغيرهم ، فطاعتهم ترك تقليدهم ، ولو فرضنا أن في العلماء من يرشد الناس إلى التقليد ويرغبهم فيه لكان يرشد إلى معصية الله ، ولا طاعة له بنص حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على وفق سنة رسوله وشريعته ، وإنما قلنا يرشد إلى معصية الله ؛ لأن من أرشد هؤلاء العامة الذين لا يعقلون الحجج ، ولا يعرفون الصواب من الخطأ إلى التمسك بالتقليد كان هذا الإرشاد منه مستلزما لإرشادهم إلى ترك العمل بالكتاب والسنة إلا بواسطة آراء العلماء الذين يقلدونهم ، فما عملوا به عملوا به ، وما لم يعملوا به لم يعملوا ، ولا يلتفتون إلى كتاب وسنة ، بل من شرط التقليد الذي أصيبوا به أن يقبل من إمامه رأيه ولا يعول على روايته ، ولا يسأله عن كتاب ولا سنة ، فإن سأله عنهما خرج عن التقليد ; لأنه قد صار مطالبا بالحجة ، انتهى كلامه ، والأمر عند هؤلاء المقلدة الذين يضعون هذه الأحكام في أصول الدين وفروعه أعظم مما قال ، والجماهير متبعة لهم مع نقلهم الإجماع الذي لم يخالف فيه أحد قط أن المقلد جاهل لا رأي له ولا يؤخذ بكلامه ، وقد بينا تهافتهم في مواضع كثيرة ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية