الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      مسألة .

                                                                                                                                                                                                                                      استنبط بعض العلماء من هذه الآية الكريمة أن بنت الرجل من الزنى ، لا يحرم عليه نكاحها . قال ابن العربي المالكي في هذه الآية : والنسب عبارة عن خلط الماء بين الذكر والأنثى ، على وجه الشرع ، فإن كان بمعصية كان خلقا مطلقا ، ولم يكن نسبا محققا ، ولذلك لم يدخل تحت قوله : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم [ 4 \ 23 ] بنته من الزنى ; لأنها ليست ببنت له في أصح القولين لعلمائنا ، وأصح القولين في الدين ، وإذا لم يكن نسب شرعا فلا صهر شرعا ، فلا يحرم الزنى بنت أم ، ولا أم بنت ، وما يحرم من الحلال ، لا يحرم من الحرام ; لأن الله امتن بالنسب والصهر على عباده ورفع قدرهما ، وعلق الأحكام في الحل والحرمة عليهما ، فلا يلحق الباطل بهما ، ولا يساويهما ، انتهى منه بواسطة نقل القرطبي عنه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال القرطبي : اختلف الفقهاء في نكاح الرجل ابنته من زنى ، أو أخته ، أو بنت ابنه من زنى فحرم ذلك قوم ، منهم : ابن القاسم وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ، وأجاز ذلك آخرون ، منهم : عبد الملك بن الماجشون ، وهو قول الشافعي ، وقد مضى هذا في " النساء " مجودا ، انتهى منه .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده عفا الله عنه وغفر له : الخلاف في هذه المسألة مشهور معروف ، وأرجح القولين دليلا فيما يظهر أن الزنى لا يحرم به حلال ، فبنته من الزنى ليست بنتا له شرعا ، وقد أجمع أهل العلم أنها لا تدخل في قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين [ 4 \ 11 ] فالإجماع على أنها لا ترث ، ولا تدخل في آيات [ ص: 68 ] المواريث ، دليل صريح على أنها أجنبية منه ، وليست بنتا شرعا ، ولكن الذي يظهر لنا أنه لا ينبغي له أن يتزوجها بحال ، وذلك لأمرين : الأول : أن كونها مخلوقة من مائه ، يجعلها شبيهة شبها صوريا بابنته شرعا ، وهذا الشبه القوي بينهما ينبغي أن يزعه عن تزويجها .

                                                                                                                                                                                                                                      الأمر الثاني : أنه لا ينبغي له أن يتلذذ بشيء سبب وجوده معصيته لخالقه جل وعلا ، فالندم على فعل الذنب الذي هو ركن من أركان التوبة ، لا يلائم التلذذ بما هو ناشئ عن نفس الذنب ، وما ذكره عن الشافعي من أنه يقول : إن البنت من الزنى لا تحرم ، هو مراد الزمخشري بقوله :

                                                                                                                                                                                                                                      وإن شافعيا قلت قالوا بأنني أبيح نكاح البنت والبنت تحرم



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية