الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولم يكن له كفؤا أحد )

في معنى التذليل للجمل التي قبلها لأنها أعم من مضمونها ; لأن تلك الصفات المتقدمة صريحها وكنايتها وضمنيها لا يشبهه فيها غيره ، مع إفادة هذه انتفاء [ ص: 620 ] شبيه له فيما عداها مثل صفات الأفعال كما قال تعالى : إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له .

والواو في قوله : ولم يكن له كفؤا أحد اعتراضية ، وهي واو الحال ، كالواو في قوله تعالى : ( وهل يجازى إلا الكفور ) فإنها تذليل لجملة ذلك جزيناهم بما كفروا ويجوز كون الواو عاطفة إن جعلت الواو الأولى عاطفة ، فيكون المقصود من الجملة إثبات وصف مخالفته تعالى للحوادث وتكون استفادة معنى التذليل تبعا للمعنى والنكت ولا تتزاحم .

والكفؤ : بضم الكاف وضم الفاء وهمزة في آخره . وبه قرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر ، إلا أن الثلاثة الأولين حققوا الهمزة وأبو جعفر سهلها ، ويقال ( كفء ) بضم الكاف وسكون الفاء وبالهمز ، وبه قرأ حمزة ويعقوب ، ويقال ( كفؤا ) بالواو عوض الهمز ، وبه قرأ حفص عن عاصم وهي لغات ثلاث فصيحة .

ومعناه : المساوي والمماثل في الصفات .

و ( أحد ) هنا بمعنى إنسان أو موجود ، وهو من الأسماء النكرات الملازمة للوقوع في حيز النفي .

وحصل بهذا جناس تام مع قوله : قل هو الله أحد .

وتقديم خبر ( كان ) على اسمها للرعاية على الفاصلة وللاهتمام بذكر الكفؤ عقب الفعل المنفي ليكون أسبق إلى السمع .

وتقديم المجرور بقوله ( له ) على متعلقه وهو ( كفؤا ) للاهتمام باستحقاق الله نفي كفاءة أحد له ، فكان هذا الاهتمام مرجحا تقديم المجرور على متعلقه وإن كان الأصل تأخير المتعلق ، إذا كان ظرفا لغويا . وتأخيره عند سيبويه أحسن ما لم يقتض التقديم مقتض كما أشار إليه في الكشاف .

وقد وردت في فضل هذه السورة أخبار صحيحة وحسنة استوفاها المفسرون . وثبت في الحديث الصحيح في الموطأ والصحيحين من طرق عدة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ) .

[ ص: 621 ] واختلفت التأويلات التي تأول بها أصحاب معاني الآثار بهذا الحديث ويجمعها أربع تأويلات .

الأول : أنها تعدل ثلث القرآن في ثواب القراءة ، أي : تعدل ثلث القرآن إذا قرئ بدونها حتى لو كررها القارئ ثلاث مرات كان له ثواب من قرأ القرآن كله .

الثاني : أنها تعدل ثلث القرآن إذا قرأها من لا يحسن غيرها من سور القرآن .

الثالث : أنها تعدل ثلث معاني القرآن باعتبار أجناس المعاني ; لأن معاني القرآن أحكام وأخبار وتوحيد ، وقد انفردت هذه السورة بجمعها أصول العقيدة الإسلامية ما لم يجمعه غيرها .

وأقول : إن ذلك كان قبل نزول آيات مثلها مثل آية الكرسي ، أو لأنه لا توجد سورة واحدة جامعة لما في سورة الإخلاص .

التأويل الرابع : أنها تعدل ثلث القرآن في الثواب مثل التأويل الأول ، ولكن لا يكون تكريرها ثلاث مرات بمنزلة قراءة ختمة كاملة .

قال ابن رشد في البيان والتحصيل : أجمع العلماء على أن من قرأ ( قل هو الله أحد ) ثلاث مرات لا يساوي في الأجر من أحيا بالقرآن كله اهـ . فيكون هذا التأويل قيدا للتأويل الأول ، ولكن في حكايته الإجماع على أن ذلك هو المراد - نظرا ، فإن في بعض الأحاديث ما هو صريح في أن تكريرها ثلاث مرات يعدل قراءة ختمة كاملة .

قال ابن رشد : واختلافهم في تأويل الحديث لا يرتفع بشيء منه عن الحديث الإشكال ولا يتخلص عن أن يكون فيه اعتراض .

وقال أبو عمر بن عبد البر : السكوت على هذه المسألة أفضل من الكلام فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية