الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون .

رجوع إلى المجادلة ، بعد انقطاعها بالدعاء إلى المباهلة ، بعث عليه الحرص على إيمانهم ، وإشارة إلى شيء من زيغ أهل الكتابين عن حقيقة إسلام الوجه لله كما تقدم بيانه . وقد جيء في هذه المجادلة بحجة لا يجدون عنها موئلا ، وهي دعوتهم إلى تخصيص الله بالعبادة ونبذ عقيدة إشراك غيره في الإلهية . فجملة قل يا أهل الكتاب بمنزلة التأكيد لجملة فقل تعالوا ندع أبناءنا لأن مدلول الأولى احتجاج عليهم بضعف ثقتهم بأحقية اعتقادهم ، ومدلول هذه احتجاج عليهم بصحة عقيدة الإسلام ، ولذلك لم تعطف هذه الجملة . والمراد بأهل الكتاب هنا النصارى : لأنهم هم الذين اتخذوا المخلوق ربا وعبدوه مع الله .

وتعالوا هنا مستعملة في طلب الاجتماع على كلمة سواء وهو تمثيل : جعلت الكلمة المجتمع عليها بشبه المكان المراد الاجتماع عنده . وتقدم الكلام على " تعالوا " قريبا .

والكلمة هنا أطلقت على الكلام الوجيز كما في قوله تعالى : كلا إنها كلمة هو قائلها .

[ ص: 269 ] و " سواء " هنا اسم مصدر الاستواء ، قيل بمعنى العدل ، وقيل بمعنى قصد لا شطط فيها ، وهذان يكونان من قولهم : مكان سواء وسوى وسوى بمعنى متوسط قال تعالى : فرآه في سواء الجحيم . وقال ابن عطية : بمعنى ما يستوي فيه جميع الناس ، فإن اتخاذ بعضهم بعضا أربابا ، لا يكون على استواء حال ، وهو قول حسن . وعلى كل معنى فالسواء غير مؤنث ، وصف به " كلمة " وهو لفظ مؤنث ، لأن الوصف بالمصدر واسم المصدر لا مطابقة فيه .

وألا نعبد بدل من " كلمة " وقال جماعة : هو بدل من " سواء " ورده ابن هشام ، في النوع الثاني من الجهة السادسة من جهات قواعد الإعراب من مغني اللبيب ، واعترضه الدماميني وغيره .

والحق أنه مردود من جهة مراعاة الاصطلاح لا من جهة المعنى ; لأن " سواء " وصف لـ " كلمة " و " ألا نعبد " لو جعل بدلا من " سواء " آل إلى كونه في قوة الوصف لـ " كلمة " ولا يحسن وصف " كلمة " به .

وضمير " بيننا " عائد على معلوم من المقام : وهو النبيء - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون ، ولذلك جاء بعده فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون .

ويستفاد من قوله ألا نعبد إلا الله إلى آخره ، التعريض بالذين عبدوا المسيح كلهم .

وقوله فإن تولوا جيء في هذا الشرط بحرف " إن " لأن التولي بعد نهوض هذه الحجة وما قبلها من الأدلة غريب الوقوع ، فالمقام مشتمل على ما هو صالح لاقتلاع حصول هذا الشرط ، فصار فعل الشرط من شأنه أن يكون نادر الوقوع مفروضا ، وذلك من مواقع " إن " الشرطية فإن كان ذلك منهم فقد صاروا بحيث يؤيس من إسلامهم فأعرضوا عنهم ، وأمسكوا أنتم بإسلامكم ، وأشهدوهم أنكم على إسلامكم . ومعنى هذا الإشهاد التسجيل عليهم لئلا يظهروا إعراض المسلمين عن الاسترسال في محاجتهم في صورة العجز والتسليم بأحقية ما عليه أهل الكتاب فهذا معنى الإشهاد عليهم بأنا مسلمون .

التالي السابق


الخدمات العلمية