الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء

جملة مستأنفة لابتداء استدلال على انفراد الله تعالى بالإلهية . وهي مرتبطة بمعنى قوله يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه إلى قوله لبئس المولى ولبئس العشير ارتباط الدليل بالمطلوب ؛ فإن [ ص: 226 ] دلائل أحوال المخلوقات كلها عاقلها وجمادها شاهدة بتفرد الله بالإلهية . وفي تلك الدلالة شهادة على بطلان دعوة من يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه . وما وقع بين هاتين الجملتين استطراد واعتراض .

والرؤية : علمية . والخطاب لغير معين .

والاستفهام إنكاري . أنكر على المخاطبين عدم علمهم بدلالة أحوال المخلوقات على تفرد الله بالإلهية . ويجوز أن يكون الخطاب للنبيء - صلى الله عليه وسلم - والاستفهام تقريريا ، لأن حصول علم النبيء - صلى الله عليه وسلم - بذلك متقرر من سورة الرعد وسورة النحل . وقد تقدم الكلام على معنى هذا السجود في السورتين المذكورتين . وقد استعمل السجود في حقيقته ومجازه ، وهو حسن وإن أباه الزمخشري ، وقد حققناه في المقدمة التاسعة ، لأن السجود المثبت لكثير من الناس هو السجود الحقيقي ، ولولا إرادة ذلك لما احترس بإثباته لكثير من الناس لا لجميعهم . ووجه هذا التفكيك أن سجود الموجودات غير الإنسانية ليس إلا دلالة تلك الموجودات على أنها مسخرة بخلق الله ، فاستعير السجود لحالة التسخير والانطباع . وأما دلالة حال الإنسان على عبوديته لله تعالى فلما خالطها إعراض كثير من الناس عن السجود لله تعالى ، وتلبسهم بالسجود للأصنام كما هو حال المشركين غطى سجودهم الحقيقي على السجود المجازي الدال على عبوديتهم لله لأن المشاهدة أقوى من دلالة الحال ، فلم يثبت لهم السجود الذي أثبت لبقية الموجودات وإن كان حاصلا في حالهم كحال المخلوقات الأخرى . [ ص: 227 ] وجملة وكثير حق عليه العذاب معترضة بالواو . وجملة حق عليه العذاب مكنى بها عن ترك السجود لله ، أي حق عليهم العذاب لأنهم لم يسجدوا لله ، وقد قضى الله في حكمه استحقاق المشرك لعذاب النار . فالذين أشركوا بالله وأعرضوا عن إفراده بالعبادة قد حق عليهم العذاب بما قضى الله به وأنذرهم به . وجملة ومن يهن الله فما له من مكرم اعتراض ثان بالواو . والمعنى : أن الله أهانهم باستحقاق العذاب فلا يجدون من يكرمهم بالنصر أو بالشفاعة . وجملة إن الله يفعل ما يشاء في محل العلة للجملتين المعترضتين لأن وجود حرف التوكيد في أول الجملة مع عدم المنكر يمحض حرف التوكيد إلى إفادة الاهتمام فنشأ من ذلك معنى السببية والتعليل ، فتغني ( إن ) غناء حرف التعليل أو السببية . وهذا موضع سجود من سجود القرآن باتفاق الفقهاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية