الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 61 ] فصل في كيفية احتضاره ووفاته عليه الصلاة والسلام

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الإمام أحمد : ثنا أبو معاوية ، ثنا الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن الحارث بن سويد ، عن عبد الله ، هو ابن مسعود قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك ، فمسسته ، فقلت : يا رسول الله ، إنك لتوعك وعكا شديدا ! قال : " أجل ، إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم " قلت : إن لك أجرين ؟ قال : " نعم ، والذي نفسي بيده ، ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض ، فما سواه إلا حط الله عنه به خطاياه ، كما تحط الشجرة ورقها " وقد أخرجه البخاري ومسلم من طرق متعددة ، عن سليمان بن مهران الأعمش به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي ، في " مسنده " : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، ثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن زيد بن أسلم ، عن رجل ، عن أبي [ ص: 62 ] سعيد الخدري قال : وضعت يدي على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : والله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا معشر الأنبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر ، إن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالقمل حتى يقتله ، وإن كان الرجل ليبتلى بالعري حتى يأخذ العباءة ، فيجوبها ، وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما تفرحون بالرخاء " . فيه رجل مبهم ، لا يعرف بالكلية . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى البخاري ومسلم من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج ، زاد مسلم : وجرير ، ثلاثتهم ، عن الأعمش ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " صحيح البخاري " من حديث يزيد بن الهاد ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي ، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي الحديث الآخر الذي رواه ، في " صحيحه " قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 63 ] " أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الصالحون ، ثم الأمثل ، فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان ، في دينه صلابة شدد عليه ، في البلاء . .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ، ثنا أبي ، حدثنا محمد بن إسحاق ، حدثني سعيد بن عبيد بن السباق ، عن محمد بن أسامة بن زيد ، عن أبيه أسامة بن زيد قال : لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت وهبط الناس معي إلى المدينة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أصمت ، فلا يتكلم ، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يصبها علي ، أعرف أنه يدعو لي . ورواه الترمذي ، عن أبي كريب ، عن يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، وقال : حسن غريب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام مالك ، في " موطئه " عن إسماعيل بن أبي حكيم ، أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول : كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال : " قاتل الله اليهود والنصارى ; اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، لا يبقين دينان بأرض العرب " هكذا رواه مرسلا ، عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روى البخاري ومسلم من حديث الزهري ، عن عبيد الله بن [ ص: 64 ] عبد الله بن عتبة ، عن عائشة وابن عباس ، قالا : لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتم كشفها عن وجهه ، فقال وهو كذلك : " لعنة الله على اليهود والنصارى ; اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما صنعوا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحافظ البيهقي : أنبأنا أبو بكر بن أبي رجاء الأديب ، أنبأنا أبو العباس الأصم ، ثنا أحمد بن عبد الجبار ، ثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث : " أحسنوا الظن بالله " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي بعض الأحاديث كما رواه مسلم من حديث الأعمش ، عن أبي سفيان طلحة بن نافع ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى " وفي الحديث الآخر : يقول الله تعالى " أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي خيرا " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البيهقي : أنبأنا الحاكم ، حدثنا الأصم ، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، ثنا أبو خيثمة زهير بن حرب ، ثنا جرير عن سليمان التيمي ، عن قتادة ، عن أنس قال : كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت : " الصلاة وما ملكت أيمانكم " حتى جعل يغرغر بها في صدره ، وما [ ص: 65 ] يفيض بها لسانه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا أسباط بن محمد ، ثنا التيمي ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت : " الصلاة وما ملكت أيمانكم " حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرغر بها صدره ، وما يكاد يفيض بها لسانه . وقد رواه النسائي وابن ماجه من حديث سليمان بن طرخان ، وهو التيمي ، عن قتادة ، عن أنس به . وفي رواية للنسائي ، عن قتادة ، عن صاحب له ، عن أنس به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد : ثنا بكر بن عيسى الراسبي ، ثنا عمر بن الفضل ، عن نعيم بن يزيد ، عن علي بن أبي طالب قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده . قال : فخشيت أن تفوتني نفسه . قال : قلت : إني أحفظ وأعي . قال : " أوصي بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم " تفرد به أحمد من هذا الوجه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال يعقوب بن سفيان : ثنا أبو النعمان محمد بن الفضل ، ثنا أبو عوانة ، عن قتادة ، عن سفينة ، عن أم سلمة قالت : كان عامة وصية [ ص: 66 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته : " الصلاة الصلاة ، وما ملكت أيمانكم " حتى جعل يلجلجها في صدره ، وما يفيض بها لسانه . وهكذا رواه النسائي ، عن حميد بن مسعدة ، عن يزيد بن زريع ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة أن سفينة حدث عن أم سلمة به . قال البيهقي : والصحيح ما رواه عفان ، عن همام ، عن قتادة ، عن أبي الخليل ، عن سفينة ، عن أم سلمة به . وهكذا رواه النسائي أيضا ، وابن ماجه من حديث يزيد بن هارون ، عن همام ، عن قتادة ، عن صالح أبي الخليل ، عن سفينة ، عن أم سلمة به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد : ثنا يونس ، ثنا الليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن موسى بن سرجس ، عن القاسم ، عن عائشة قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت ، وعنده قدح فيه ماء ، فيدخل يده في القدح ، ثم يمسح وجهه بالماء ، ثم يقول " اللهم أعني على سكرات الموت " ورواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، من حديث الليث به ، وقال الترمذي : غريب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 67 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن إسماعيل ، عن مصعب بن إسحاق بن طلحة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنه ليهون علي أني رأيت بياض كف عائشة ، في الجنة " تفرد به أحمد ، وإسناده لا بأس به ، وهذا دليل على شدة محبته ، عليه الصلاة والسلام ، لعائشة ، رضي الله عنها . وقد ذكر الناس معاني كثيرة في كثرة المحبة ، ولم يبلغ أحدهم هذا المبلغ ، وما ذاك إلا لأنهم يبالغون كلاما لا حقيقة له ، وهذا كلام حق لا محالة ولا شك فيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة قال : قالت عائشة توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في بيتي ، وتوفي بين سحري ونحري ، وكان جبريل يعوذه بدعاء إذا مرض ، فذهبت أدعو به ، فرفع بصره إلى السماء ، وقال : " في الرفيق الأعلى ، في الرفيق الأعلى " ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده جريدة رطبة ، فنظر إليها ، فظننت أن له بها حاجة . قالت ، فأخذتها فنفضتها فدفعتها إليه ، فاستن بها أحسن ما كان مستنا ، ثم ذهب يتناولها ، فسقطت من يده . قالت : فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة . ورواه البخاري ، عن سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البيهقي : أنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو نصر أحمد بن سهل [ ص: 68 ] الفقيه ببخارى ، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي ، ثنا داود بن عمرو بن زهير الضبي ، ثنا عيسى بن يونس ، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين ، أنا ابن أبي مليكة أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة ، أخبره أن عائشة كانت تقول : إن من نعمة الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في يومي ، وفي بيتي ، وبين سحري ونحري ، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند الموت . قالت دخل علي أخي بسواك معه وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدري فرأيته ينظر إليه ، وقد عرفت أنه يحب السواك ويألفه ، فقلت : آخذه لك ؟ فأشار برأسه ; أي نعم . فلينته له ، فأمره على فيه . قالت : وبين يديه ركوة أو علبة فيها ماء ، فجعل يدخل يده في الماء ، فيمسح بها وجهه ، ثم يقول : " لا إله إلا الله ، إن للموت لسكرات " ثم نصب أصبعه اليسرى ، وجعل يقول : " في الرفيق الأعلى ، في الرفيق الأعلى " حتى قبض ، ومالت يده في الماء . ورواه البخاري عن محمد ، عن عيسى بن يونس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو داود الطيالسي : ثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، سمعت عروة يحدث ، عن عائشة قالت : كنا نحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يخير بين الدنيا والآخرة . قالت : فلما كان مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه عرضت [ ص: 69 ] له بحة . فسمعته يقول : " مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا " قالت عائشة : فظننا أنه كان يخير . وأخرجاه من حديث شعبة به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم ، أن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح : " إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ، ثم يخير " قالت عائشة : فلما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه على فخذي غشي عليه ساعة ، ثم أفاق ، فأشخص بصره إلى سقف البيت ، وقال " اللهم الرفيق الأعلى " فعرفت أنه الحديث الذي كان حدثناه وهو صحيح : " إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير " قالت عائشة : فقلت : إذا لا تختارنا . قالت عائشة : كانت تلك الكلمة آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الرفيق الأعلى " . أخرجاه من غير وجه ، عن الزهري به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال سفيان ، هو الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي بردة ، عن عائشة قالت : أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حجري ، فجعلت أمسح وجهه ، وأدعو له بالشفاء ، فقال : " لا ، بل أسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل " رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وغيره ، قالوا : ثنا أبو العباس [ ص: 70 ] الأصم ، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، ثنا أنس بن عياض ، عن هشام بن عروة ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، أن عائشة أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مسند إلى صدرها يقول " اللهم اغفر لي وارحمني ، وألحقني بالرفيق " أخرجاه من حديث هشام بن عروة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا يعقوب ثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه عباد قال : سمعت عائشة تقول : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري وفي دولتي ، ولم أظلم فيه أحدا ، فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت ألتدم مع النساء ، وأضرب وجهي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ، ثنا كثير بن زيد ، عن المطلب بن عبد الله قال : قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من نبي إلا تقبض نفسه ، ثم يرى الثواب ، ثم ترد إليه ، فيخير بين أن ترد إليه وبين أن يلحق " فكنت قد حفظت ذلك منه ، فإني لمسندته إلى صدري ، فنظرت إليه حين مالت عنقه ، فقلت : قد قضى ، فعرفت الذي قال ، فنظرت إليه [ ص: 71 ] حين ارتفع فنظر . قالت : قلت : إذا والله لا يختارنا ، فقال : " مع الرفيق الأعلى ، في الجنة " مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا " تفرد به أحمد ، ولم يخرجوه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا همام ، أنبأنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه بين سحري ونحري . قالت : فلما خرجت نفسه لم أجد ريحا قط أطيب منها . وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة . ورواه البيهقي من حديث حنبل بن إسحاق ، عن عفان .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس الأصم ، ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس بن أبي عروة ، عن أم سلمة قالت : وضعت يدي على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ، فمرت بي جمع آكل وأتوضأ ، وما يذهب ريح المسك من يدي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد : حدثنا عفان وبهز ، قالا : ثنا سليمان بن المغيرة ، ثنا حميد بن هلال ، عن أبي بردة قال : دخلت على عائشة ، فأخرجت إلينا إزارا غليظا [ ص: 72 ] مما صنع باليمن ، وكساء من التي يدعون الملبدة ، فقالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض في هذين الثوبين . وقد رواه الجماعة إلا النسائي من طرق ، عن حميد بن هلال به . وقال الترمذي : حسن صحيح .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الإمام أحمد : حدثنا بهز ، ثنا حماد بن سلمة ، أنبأنا أبو عمران الجوني ، عن يزيد بن بابنوس قال : ذهبت أنا وصاحب لي إلى عائشة ، فاستأذنا عليها ، فألقت لنا وسادة ، وجذبت إليها الحجاب ، فقال صاحبي : يا أم المؤمنين ، ما تقولين في العراك ؟ قالت : وما العراك ؟ فضربت منكب صاحبي ، فقالت : مه آذيت أخاك . ثم قالت : ما العراك ! المحيض ، قولوا : ما قال الله ، عز وجل المحيض . ثم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوشحني وينال من رأسي ، وبيني وبينه ثوب وأنا حائض . ثم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر ببابي مما يلقي الكلمة ينفعني الله بها ، فمر ذات يوم ، فلم يقل شيئا ، ثم مر فلم يقل شيئا مرتين أو ثلاثا ، فقلت : يا جارية ، ضعي لي وسادة على الباب ، وعصبت رأسي فمر بي ، فقال : " يا عائشة ما شأنك ؟ " فقلت : أشتكي رأسي ، فقال " أنا ، وارأساه ! " فذهب فلم يلبث إلا يسيرا حتى جيء به محمولا في كساء ، فدخل علي ، وبعث إلى النساء ، فقال " إني قد اشتكيت ، [ ص: 73 ] وإني لا أستطيع أن أدور بينكن ، فأذن لي ، فلأكن عند عائشة " فكنت أمرضه ، ولم أمرض أحدا قبله ، فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي ، فظننت أنه يريد من رأسي حاجة ، فخرجت من فيه نقطة باردة ، فوقعت على ثغرة نحري ، فاقشعر لها جلدي ، فظننت أنه غشي عليه ، فسجيته ثوبا ، فجاء عمر والمغيرة بن شعبة ، فاستأذنا ، فأذنت لهما وجذبت إلي الحجاب ، فنظر عمر إليه ، فقال : واغشياه ! ما أشد غشي رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم قاما ، فلما دنوا من الباب قال المغيرة : يا عمر ، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : كذبت بل أنت رجل تحوسك فتنة ; إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفني الله المنافقين . قالت : ثم جاء أبو بكر فرفعت الحجاب ، فنظر إليه ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم أتاه من قبل رأسه ، فحدر فاه ، فقبل جبهته ثم قال : وانبياه ! ثم رفع رأسه ثم حدر فاه ، وقبل جبهته ، ثم قال : واصفياه ! ثم رفع رأسه وحدر فاه وقبل جبهته ، وقال : واخليلاه ! مات رسول الله صلى الله عليه وسلم . فخرج إلى المسجد وعمر يخطب الناس ، ويتكلم ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفني الله المنافقين . فتكلم أبو بكر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله تعالى يقول إنك ميت وإنهم ميتون [ الزمر : 30 ] . حتى فرغ من الآية . وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم [ آل عمران : 144 ] . حتى فرغ من الآية ، ثم قال : [ ص: 74 ] فمن كان يعبد الله ، عز وجل ، فإن الله حي ، ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، فقال عمر : وإنها لفي كتاب الله ؟ ! ما شعرت أنها في كتاب الله . ثم قال عمر : يا أيها الناس ، هذا أبو بكر ، وهو ذو شيبة المسلمين ، فبايعوه ، فبايعوه . وقد رواه أبو داود ، والترمذي ، في " الشمائل " من حديث مرحوم بن عبد العزيز العطار ، عن أبي عمران الجوني به ببعضه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحافظ البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو بكر بن إسحاق ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان ، ثنا يحيى بن بكير ، ثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن عائشة أخبرته أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح ، حتى نزل فدخل المسجد ، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة ، فيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة ، فكشف عن وجهه ، ثم أكب عليه فقبله ، ثم بكى ، ثم قال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، والله لا يجمع الله عليك موتتين أبدا ، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الزهري : وحدثني أبو سلمة عن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر [ ص: 75 ] يكلم الناس . فقال : اجلس يا عمر . فأبى عمر أن يجلس ، فقال : اجلس يا عمر ، فأبى عمر أن يجلس ، فتشهد أبو بكر ، فأقبل الناس إليه ، فقال : أما بعد ، فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، قال الله تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم الآية . قال : فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية ، حتى تلاها أبو بكر ، فتلقاها منه الناس كلهم ، فما سمع بشر من الناس إلا يتلوها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الزهري : وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها ، فعرفت أنه الحق ، فعقرت حتى ما تقلني رجلاي ، وحتى هويت إلى الأرض ، وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات . ورواه البخاري عن يحيى بن بكير به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الحافظ البيهقي من طريق ابن لهيعة ، ثنا أبو الأسود ، عن عروة بن الزبير في ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وقام عمر بن الخطاب يخطب الناس ويتوعد من قال : مات . بالقتل والقطع ، ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غشيته لو قد قام قتل وقطع . وعمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن أم مكتوم في مؤخر المسجد يقرأ : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية . [ ص: 76 ] والناس في المسجد يبكون ، ويموجون لا يسمعون ، فخرج عباس بن عبد المطلب على الناس ، فقال : يا أيها الناس ، هل عند أحد منكم من عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في وفاته فليحدثنا ؟ قالوا : لا . قال : هل عندك يا عمر من علم ؟ قال : لا . فقال العباس : أشهد أيها الناس ، أن أحدا لا يشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهد عهده إليه في وفاته ، والله الذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت . قال : وأقبل أبو بكر ، رضي الله عنه ، من السنح على دابته حتى نزل بباب المسجد ، وأقبل مكروبا حزينا ، فاستأذن في بيت ابنته عائشة ، فأذنت له فدخل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي على الفراش والنسوة حوله ، فخمرن وجوههن ، واستترن من أبي بكر إلا ما كان من عائشة ، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحنى عليه يقبله ، ويبكي ويقول : ليس ما يقوله ابن الخطاب شيئا ، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده ، رحمة الله عليك يا رسول الله ، ما أطيبك حيا وميتا . ثم غشاه بالثوب ، ثم خرج سريعا إلى المسجد يتخطى رقاب الناس ، حتى أتى المنبر ، وجلس عمر حين رأى أبا بكر مقبلا إليه ، وقام أبو بكر إلى جانب المنبر ، ونادى الناس فجلسوا وأنصتوا ، فتشهد أبو بكر بما علمه من التشهد ، وقال : إن الله ، عز وجل ، نعى نبيه إلى نفسه وهو حي بين أظهركم ، ونعاكم إلى أنفسكم ، وهو الموت حتى لا يبقى أحد إلا الله ، عز وجل ، قال تعالى وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الآية . فقال عمر هذه الآية في القرآن ؟ ! والله ما علمت أن هذه الآية أنزلت قبل اليوم . [ ص: 77 ] وقد قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم إنك ميت وإنهم ميتون وقال الله تعالى : كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون [ القصص : 88 ] وقال تعالى كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام [ الرحمن : 27 ، 26 ] وقال كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة [ آل عمران : 185 ] ثم قال : إن الله عمر محمدا صلى الله عليه وسلم وأبقاه حتى أقام دين الله ، وأظهر أمر الله ، وبلغ رسالة الله وجاهد في سبيل الله ، ثم توفاه الله على ذلك ، وقد ترككم على الطريقة ، فلن يهلك هالك إلا من بعد البينة والشفاء ، فمن كان الله ربه ، فإن الله حي لا يموت ، ومن كان يعبد محمدا وينزله إلها فقد هلك إلهه ، فاتقوا الله أيها الناس ، واعتصموا بدينكم ، وتوكلوا على ربكم ، فإن دين الله قائم ، وإن كلمة الله تامة ، وإن الله ناصر من نصره ، ومعز دينه ، وإن كتاب الله بين أظهرنا ، وهو النور والشفاء ، وبه هدى الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، وفيه حلال الله وحرامه ، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله ، إن سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد ، ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يبقين أحد إلا على نفسه . ثم انصرف ، وانصرف معه المهاجرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكر الحديث في غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : كما سنذكره مفصلا بدلائله وشواهده . إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الواقدي عن شيوخه ، قالوا : ولما شك في موت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال [ ص: 78 ] بعضهم : مات . وقال بعضهم : لم يمت . وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت : قد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد رفع الخاتم من بين كتفيه . فكان هذا الذي قد عرف به موته . هكذا رواه الحافظ البيهقي في كتابه " دلائل النبوة " من طريق الواقدي ، وهو ضعيف ، وشيوخه لم يسموا ، ثم هو منقطع بكل حال ، ومخالف لما صح ، وفيه غرابة شديدة ، وهو رفع الخاتم . فالله أعلم بالصواب . وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارا كثيرة فيها نكارات وغرابة شديدة ، أضربنا عن أكثرها صفحا ; لضعف أسانيدها ونكارة متونها ، ولا سيما ما يورده كثير من القصاص المتأخرين وغيرهم ، فكثير منه موضوع لا محالة ، وفي الأحاديث الصحيحة والحسنة والمروية في الكتب المشهورة غنية عن الأكاذيب وما لا يعرف سنده . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية