الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3368 حدثنا محمد بن بشار حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس فقال الحمد لله فحمد الله بإذنه فقال له ربه يرحمك الله يا آدم اذهب إلى أولئك الملائكة إلى ملإ منهم جلوس فقل السلام عليكم قالوا وعليك السلام ورحمة الله ثم رجع إلى ربه فقال إن هذه تحيتك وتحية بنيك بينهم فقال الله له ويداه مقبوضتان اختر أيهما شئت قال اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين مباركة ثم بسطها فإذا فيها آدم وذريته فقال أي رب ما هؤلاء فقال هؤلاء ذريتك فإذا كل إنسان مكتوب عمره بين عينيه فإذا فيهم رجل أضوؤهم أو من أضوئهم قال يا رب من هذا قال هذا ابنك داود قد كتبت له عمر أربعين سنة قال يا رب زده في عمره قال ذاك الذي كتبت له قال أي رب فإني قد جعلت له من عمري ستين سنة قال أنت وذاك قال ثم أسكن الجنة ما شاء الله ثم أهبط منها فكان آدم يعد لنفسه قال فأتاه ملك الموت فقال له آدم قد عجلت قد كتب لي ألف سنة قال بلى ولكنك جعلت لابنك داود ستين سنة فجحد فجحدت ذريته ونسي فنسيت ذريته قال فمن يومئذ أمر بالكتاب والشهود قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب ) في التقريب الحارث بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن أبي ذباب بضم المعجمة وموحدتين الدوسي بفتح الدال المدني صدوق يهم ، من الخامسة . قوله : ( عطس ) من باب نصر وضرب ( فقال الحمد لله ) أي فأراد أن يقول الحمد لله ( فحمد الله بإذنه ) أي بأمره وحكمه أو بقضائه وقدره أو بتيسيره وتوفيقه ( إلى ملأ منهم ) يحتمل أن يكون بدلا فيكون من كلام الله تعالى . ويحتمل أن يكون حالا فيكون من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا لكلام الله تعالى وهو إلى الحال أقرب منه إلى البدل ، يعني قال الله تعالى " أولئك " مشيرا به إلى ملأ منهم ( جلوس ) بالجر صفة ملأ أي جالسين أو ذوي جلوس ( فقل السلام عليكم . قالوا : وعليك السلام ورحمة الله ) هذا اختصار والتقدير : فقل السلام عليكم فذهب آدم [ ص: 215 ] إليهم فقال السلام عليكم فقال وعليك السلام ورحمة الله ( قال ) أي الرب سبحانه ( إن هذه ) أي الكلمات المذكورة ( وتحية بنيك ) فيه تغليب أي ذريتك ( بينهم ) أي فيما بينهم عند ملاقاتهم فهذه سنة قديمة ( ويداه مقبوضتان ) الجملة حال والضمير لله . قال القاري : مذهب السلف من نفي التشبيه وإثبات التنزيه مع التفويض أسلم انتهى .

                                                                                                          قلت : بل هو الصواب ( اختر أيهما ) أي من اليدين . وفي المشكاة أيتهما وهو الظاهر ( وكلتا يدي ربي يمين ) من كلام آدم أو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقوله : ( مباركة ) صفة كاشفة ( ثم بسطها ) أي فتح الرب سبحانه وتعالى يمينه ( فإذا فيها ) أي موجود ( آدم وذريته ) قال الطيبي : يقول النبي صلى الله عليه وسلم يعني رأى آدم مثاله ومثال بنيه في عالم الغيب ( هؤلاء ذريتك ) الظاهر من كونهم في اليمين اختصاصهم بالصالحين من أصحاب اليمين والمقربين ويدل عليه أيضا قوله : فإذا كل إنسان إلخ ( فإذا فيهم رجل أضوءهم ) فيه دلالة على أن لكلهم ضياء لكنه يختلف فيهم بحسب نور إيمانهم ( أو من أضوئهم ) الظاهر أنه شك من الراوي ( من هذا ) قال الطيبي ذكر أولا ما هؤلاء لأنه ما عرف ما رآه ثم لما قيل له هم ذريتك فعرفهم فقال من هذا ( وقد كتبت له عمر أربعين سنة ) قال الطيبي : قوله عمر أربعين مفعول كتبت ، ومؤدى المكتوب لأن المكتوب عمره أربعون سنة ونصب أربعين على المصدر على تأويل كتبت له أن يعمر أربعين سنة ( قال يا رب زده في عمره ) أي من عندك وفضلك ( ذاك الذي كتب له ) بصيغة المجهول ، وفي بعض النسخ : كتبت بصيغة المتكلم المعلوم . قال الطيبي : ذاك الذي مبتدأ وخبر معرفتان فيفيد الحصر أي لا مزيد على ذلك ولا نقصان ( قال ) يعني آدم ( أي رب ) أي يا رب ( فإني ) أي إذا أبيت من عندك فإني ( قد جعلت له من عمري ) أي من جملة مدة عمري وسني ( ستين سنة ) أي تكملة للمائة ، والظاهر أن المراد بهذا الخبر الدعاء والاستدعاء من ربه أن يجعله سبحانه كذلك فإن أحدا لم يقدر على هذا الجعل ، وقوله : قد جعلت له من عمري ستين سنة هنا يخالف ما وقع في رواية أبي هريرة في تفسير سورة الأعراف بلفظ : زده من عمري أربعين سنة وقد تقدم وجه الجمع هناك ( قال أنت وذاك ) قال القاري : يحتمل البراءة ويحتمل الإجابة . وقال الطيبي : هو نحو قولهم كل [ ص: 216 ] رجل وضيعته أي أنت مع مطلوبك مقرونان ( ثم أسكن ) بصيغة المجهول من الإسكان ( ثم أهبط ) أي أنزل ( منها ) أي من الجنة ( يعد لنفسه ) أي يقدر له ويراعي أوقات أجله سنة فسنة ( فأتاه ملك الموت ) أي امتحانا بعد تمام تسعمائة وأربعين سنة ( قد عجلت ) بكسر الجيم أي استعجلت وجئت قبل أوانه ( فجحد ) أي أنكر آدم ( فجحدت ذريته ) أي بناء على أن الولد من سر أبيه ( ونسي فنسيت ذريته ) لأن الولد من طينة أبيه والظاهر أن معناه أن آدم نسي هذه القضية فجحد فيكون اعتذارا له إذ يبعد منه عليه السلام أن ينكر مع التذكر ( قال ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( أمر ) بصيغة المجهول أي أمر الناس أو الغائب ( بالكتاب والشهود ) أي بكتابة القضايا والشهود فيها .




                                                                                                          الخدمات العلمية