الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3148 حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر قال فيفزع الناس ثلاث فزعات فيأتون آدم فيقولون أنت أبونا آدم فاشفع لنا إلى ربك فيقول إني أذنبت ذنبا أهبطت منه إلى الأرض ولكن ائتوا نوحا فيأتون نوحا فيقول إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا ولكن اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقول إني كذبت ثلاث كذبات ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله ولكن ائتوا موسى فيأتون موسى فيقول إني قد قتلت نفسا ولكن ائتوا عيسى فيأتون عيسى فيقول إني عبدت من دون الله ولكن ائتوا محمدا قال فيأتونني فأنطلق معهم قال ابن جدعان قال أنس فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها فيقال من هذا فيقال محمد فيفتحون لي ويرحبون بي فيقولون مرحبا فأخر ساجدا فيلهمني الله من الثناء والحمد فيقال لي ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع وقل يسمع لقولك وهو المقام المحمود الذي قال الله عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا قال سفيان ليس عن أنس إلا هذه الكلمة فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها قال أبو عيسى هذا حديث حسن وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أبي نضرة عن ابن عباس الحديث بطوله

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن أبي نضرة ) اسمه المنذر بن مالك بن قطنة العبدي .

                                                                                                          قوله : ( أنا سيد ولد آدم ) قاله إخبارا عما أكرمه الله تعالى من الفضل والسؤدد ، وتحدثا بنعمة الله تعالى عنده وإعلاما منه لأمته ليكون إيمانهم به على حسبه وموجبه ، ولهذا أتبعه بقوله ( ولا فخر ) أي أن هذه الفضيلة التي نلتها كرامة من الله لم أنلها من قبل نفسي ولا بلغتها بقوتي فليس لي أن أفتخر بها ، قاله الجزري . وقال النووي : فيه وجهان ، أحدهما : قاله امتثالا لأمر الله تعالى : [ ص: 465 ] وأما بنعمة ربك فحدث وثانيهما : أنه من البيان الذي يجب عليه تبليغه إلى أمته ليعرفوه ويعتقدوه ويعملوا بمقتضاه في توقيره ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما أمرهم الله تعالى به . انتهى " لواء الحمد " اللواء بالكسر وبالمد : الراية ، ولا يمسكها إلا صاحب الجيش ، قاله الجزري في النهاية .

                                                                                                          قال الطيبي : لواء الحمد عبارة عن الشهرة وانفراده بالحمد على رءوس الخلائق ويحتمل أن يكون لحمده لواء يوم القيامة حقيقة يسمى لواء الحمد . وقال التوربشتي : لا مقام من مقامات عباد الله الصالحين أرفع وأعلى من مقام الحمد ، ودونه تنتهي سائر المقامات ، ولما كان نبينا سيد المرسلين ، أحمد الخلائق في الدنيا والآخرة أعطي لواء الحمد ليأوي إلى لوائه الأولون والآخرون ، وإليه الإشارة بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : آدم ومن دونه تحت لوائي . انتهى .

                                                                                                          قلت : حمل لواء الحمد على معناه الحقيقي هو الظاهر بل هو المتعين ; لأنه لا يصار إلى المجاز مع إمكان الحقيقة وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي قال الطيبي : نبي نكرة وقعت في سياق النفي وأدخل عليه " من " الاستغراقية ، فيفيد استغراق الجنس ، وقوله " آدم فمن " إما بيان أو بدل من محله ، ومن فيه موصولة وسواه صلته ، وصح لأنه ظرف ، وأوثر الفاء التفصيلية في فمن سواه على الواو للترتيب ، على منوال قوله : الأمثل فالأمثل " وأنا أول من ينشق عنه الأرض " أي للبعث فلا يتقدم أحد عليه بعثا فهو من خصائصه " فيفزع الناس ثلاث فزعات " .

                                                                                                          قال القرطبي . كأن ذلك يقع إذا جيء بجهنم ، فإذا زفرت فزع الناس حينئذ وجثوا على ركبهم ( إني أذنبت ذنبا ) يعني أكله من الشجرة وقد نهي عنها ( أهبطت منه ) بسببه والجملة صفة لقوله ذنبا ( فيقول إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا ) وفي رواية : إني دعوت بدعوة أغرقت أهل الأرض ، والمراد بهذه الدعوة قوله : رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا وفي رواية قال : إنه كانت لي دعوة دعوت بها على قومي ، وفي رواية : ويذكر سؤال ربه ما ليس له به علم .

                                                                                                          قال الحافظ : ويجمع بأنه اعتذر بأمرين ، أحدهما : نهي الله تعالى له أن يسأل ما ليس له به علم ، فخشي أن تكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك ، ثانيهما : أن له دعوة واحدة محققة الإجابة ، [ ص: 466 ] وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض ، فخشي أن يطلب فلا يجاب " فيقول إني كذبت ثلاث كذبات " يأتي بيان هذه الكذبات في تفسير سورة الأنبياء ، قال البيضاوي : الحق أن الكلمات الثلاث إنما هي من معاريض الكلام لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها استصغارا لنفسه عن الشفاعة مع وقوعها ; لأن من كان أعرف بالله وأقرب إليه منزلة كان أعظم خوفا " إلا ماحل بها " بالحاء المهملة . قال في النهاية : أي دفع وجادل من المحال بالكسر وهو الكيد ، وقيل المكر ، وقيل القوة والشدة وميمه أصلية ، ورجل محل أي ذو كيد " فيقول إني قد قتلت نفسا " وفي رواية عند سعيد بن منصور : إني قتلت نفسا بغير نفس وإن يغفر لي اليوم حسبي " فيقول إني عبدت من دون الله " وفي رواية أحمد والنسائي من حديث ابن عباس : إني اتخذت إلها من دون الله ، وفي رواية عند سعيد بن منصور ونحوه ، وزاد : وإن يغفر لي اليوم حسبي ( قال ابن جدعان ، قال أنس : فكأني أنظر إلى رسول الله قال : " فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها " أخذ ابن جدعان هذا القدر من حديث أنس لا من حديث أبي سعيد ولذا صرح به ، وأما قوله : فيقال من هذا فيقال محمد إلى آخر الحديث ، فهو من حديث أبي سعيد لا من حديث أنس كما صرح به سفيان بقوله ليس عن أنس إلا هذه الكلمة فآخذ بحلقة باب الجنة " فأقعقعها " أي أحركها لتصوت والقعقعة حكاية حركة الشيء يسمع له صوت " فيقولون مرحبا " هذا بيان لقوله يرحبون بي ( واشفع تشفع ) بصيغة المجهول من التفعيل ، أي تقبل شفاعتك .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه أحمد وابن ماجه مختصرا ، وأخرجه أيضا الترمذي في [ ص: 467 ] أوائل المناقب مختصرا .

                                                                                                          قوله : ( وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أبي نضرة عن ابن عباس الحديث بطول ) أخرجه أحمد .




                                                                                                          الخدمات العلمية