الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1120 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحل والمحلل له قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وأبو قيس الأودي اسمه عبد الرحمن بن ثروان وقد روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمرو وغيرهم وهو قول الفقهاء من التابعين وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحق قال وسمعت الجارود بن معاذ يذكر عن وكيع أنه قال بهذا وقال ينبغي أن يرمى بهذا الباب من قول أصحاب الرأي قال جارود قال وكيع وقال سفيان إذا تزوج الرجل المرأة ليحللها ثم بدا له أن يمسكها فلا يحل له أن يمسكها حتى يتزوجها بنكاح جديد

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن عبد الله بن مسعود قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحل والمحلل له ) قال في سبل السلام : الحديث دليل على تحريم التحليل ؛ لأنه لا يكون اللعن إلا على فاعل المحرم ، وكل محرم منهي عنه ، والنهي يقتضي فساد العقد واللعن ، وإن كان ذلك للفاعل لكنه علق بوصف يصح أن يكون علة الحكم وذكروا للتحليل صورا منها أن يقول له في العقد : إذا أحللتها فلا نكاح ، وهذا مثل نكاح المتعة لأجل التوقيت ، ومنها أن يقول في العقد : إذا أحللتها طلقتها .

                                                                                                          ومنها أن يكون مضمرا في العقد بأن يتواطئا على التحليل ، ولا يكون النكاح الدائم هو المقصود ، وظاهر شمول اللعن فساد العقد لجميع الصور ، وفي بعضها خلاف بلا دليل ناهض فلا يستعمل بها . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وصححه ابن القطان ، وابن دقيق العيد على شرط البخاري ، كذا في التلخيص قوله : ( والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب ) أخرج ابن أبي شيبة عنه قال : لا أوتى بمحلل ، ولا محلل له إلا رجمتهما ، كذا في شرح الترمذي للشيخ سراج أحمد ولم أقف على سنده ( وعثمان بن عفان ) قال الشيخ سراج أحمد : أخرجه البيهقي . قلت : لم أقف على سنده ، ولا على لفظه ( وبه يقول سفيان الثوري ، وابن [ ص: 223 ] المبارك والشافعي ، وأحمد وإسحاق ) قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية : واعلم أن المصنف يعني : صاحب الهداية ، استدل بهذا الحديث ، يعني : بحديث " لعن الله المحلل والمحلل له " . على كراهة النكاح المشروط به التحليل ، وظاهره يقتضي التحريم كما هو مذهب أحمد . انتهى .

                                                                                                          قلت : لا شك في أن ما قال الإمام أحمد هو الظاهر ، ثم أجاب الزيلعي فقال : لكن يقال لما سماه محللا دل على صحة النكاح ؛ لأن المحلل هو المثبت للحل فلو كان فاسدا لما سماه محللا . انتهى ، قلت : سماه محللا على حسب ظنه ، فإن من تزوج المطلقة ثلاثا بقصد الطلاق ، أو شرطه ظن أن تزوجه إياها ووطأها يحلها لزوجها الأول ، وليس تسميته محللا على أنه مثبت للحل في الواقع ، ويؤيده قول ابن عمر : كنا نعد هذا سفاحا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وصححه الحاكم كما تقدم ( وسمعت الجارود يذكر عن وكيع أنه قال بهذا ) أي : بما قال سفيان ، وابن المبارك والشافعي ، وأحمد وإسحاق ( وقال ) أي : وكيع ( ينبغي أن يرمى بهذا الباب من قول أصحاب الرأي ) يعني : أبا حنيفة وأصحابه ، قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي . أي : يطرح ويلقى من قولهم ما ذكروا في هذا الباب من صحة النكاح ، وإن قصد الإحلال ، وذلك لأن اللعن يقتضي النهي عن هذا الفعل وحرمته ، والحرمة في باب النكاح يقتضي عدم الصحة . فقولهم بالصحة مخالف للحديث فيكون مرميا مطروحا ، قالا : أجابوا عنه أن قولهم ليس بمخالف للحديث ؛ لأن اللعن قد يكون لخسة الفعل وهتك المروءة ، وتسميته محللا يقتضي صحة العقد ليترتب عليه التحليل ، وليس في الحديث تصريح بعدم الشرط ، أو بإثباته ، فالتوفيق بينهما أن يحمل اللعن على أنه للخسة لا للتحريم لئلا يعارض قوله محللا ، فلا دلالة فيه على بطلان النكاح بمجرد أن يكون من نيته الإحلال ، أو بكونه شرط الإحلال . انتهى كلام أبي الطيب . قلت قوله اللعن قد يكون لخسة الفعل وهتك المروءة ادعاء محض لا دليل عليه ، بل لعنة الله لا تكون إلا للتحريم ، وقد تقدم أن تسميته محللا لا يقتضي صحة العقد

                                                                                                          تنبيه :

                                                                                                          قول الإمام وكيع هذا يدل دلالة ظاهرة على أنه لم يكن حنفيا مقلدا للإمام أبي حنيفة فبطل قول صاحب العرف الشذي أن وكيعا كان حنفيا مقلدا لأبي حنيفة ، وقد تقدم الكلام في هذا في باب الإشعار من كتاب الحج ( قال وكيع ، وقال سفيان إذا تزوج المرأة ليحللها ، ثم بدا له أن يمسكها فلا يحل له أن يمسكها حتى يتزوجها بنكاح جديد ) قال الخطابي في المعالم : إذا كان ذلك [ ص: 224 ] عن شرط بينهما فالنكاح فاسد ؛ لأن العقد متناه إلى مدة كنكاح المتعة ، وإذا لم يكن شرطا ، وكان نية وعقيدة فهو مكروه . فإن أصابها الزوج ، ثم طلقها وانقضت العدة فقد حلت للزوج الأول ، وقد كره غير واحد من العلماء أن يضمرا ، أو ينويا ، أو أحدهما التحليل ، وإن لم يشترطاه ، وقال إبراهيم النخعي : لا يحلها لزوجها الأول إلا أن يكون نكاح رغبة ، فإن كانت نية أحد الثلاثة الزوج الأول ، أو الثاني ، أو المرأة أنه محلل ، فالنكاح باطل ، ولا تحل للأول ، وقال سفيان الثوري . إذا تزوجها ، وهو يريد أن يحللها لزوجها ، ثم بدا له أن يمسكها لا يعجبني إلا أن يفارقها ويستأنف نكاحا جديدا ، وكذلك قال أحمد بن حنبل ، وقال مالك بن أنس يفرق بينهما على كل حال . انتهى كلام الخطابي ، وقال الشافعي : إن عقد النكاح مطلقا لا شرط فيه فالنكاح ثابت ، ولا تفسد النية من النكاح شيئا ؛ لأن النية حديث نفس ، وقد رفع عن الناس ما حدثوا به أنفسهم ذكر قول الشافعي هذا الحافظ المنذري في تلخيصه . قلت : في كلام الشافعي هذا كلام فتأمل .

                                                                                                          تنبيه :

                                                                                                          قال صاحب العرف الشذي : والمشهور عندنا أن الشرط إثم والنكاح صحيح قال : ولأبي حنيفة : ما أفتى عمر بسند لعله جيد أن رجلا نكح امرأة للتحليل فقال له عمر رضي الله عنه لا تفارق امرأتك ، وإن طلقتها فأعزرك ، قال فدل على صحة النكاح للتحليل . انتهى . قلت روى عبد الرزاق : أن امرأة أرسلت إلى رجل فزوجته نفسها ليحلها لزوجها ، فأمره عمر بن الخطاب أن يقيم معها ، ولا يطلقها ، وأوعده أن يعاقبه إن طلقها . ذكر هذا الأثر الشوكاني في النيل بغير السند ، ولم أقف على سنده . فمن يدعي أنه صحيح فعليه البيان ، وأثر عمر هذا يخالفه ما أخرج ابن أبي شيبة عنه قال : لا أوتى بمحلل ، ولا محلل له إلا رجمتهما ، ويخالفه قول ابن عمر رضي الله عنه كنا نعد هذا سفاحا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وصححه الحاكم ، وقد تقدم ، ثم قال صاحب العرف الشذي ، وإن لم يشترط في اللفظ فإن كان الرجل معروفا بهذا الفعل فمكروه تحريما ، كما في فتح القدير ، وفي بعض كتبنا أنه إذا لم يشترط في اللفظ فالمحل له ثواب ؛ لأنه نفع أخاه المسلم . انتهى بلفظه .

                                                                                                          قلت : وفي بعض كتب الحنفية أنه مأجور ، وإن شرطاه بالقول لقصد الإصلاح ، وهذا هو معمول به عند حنفية ديارنا فيعملون به ويظنون أنهم ينفعون إخوانهم ويصيرون مأجورين فهداهم الله تعالى إلى التحقيق .




                                                                                                          الخدمات العلمية