الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية زيارة القبور للنساء

                                                                                                          1056 حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور قال وفي الباب عن ابن عباس وحسان بن ثابت قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء وقال بعضهم إنما كره زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( لعن زوارات القبور ) . ، قال القاري لعل المراد كثيرات الزيارة ، وقال القرطبي : هذا اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة ، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج ، وما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك ، فقد يقال إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن ؛ لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء . انتهى ، قال الشوكاني في النيل : وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر . انتهى .

                                                                                                          [ ص: 137 ] قوله : ( وفي الباب عن ابن عباس وحسان بن ثابت ) أما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي وحسنه ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن حبان في صحيحه ، كلهم من رواية أبي صالح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ، كذا في الترغيب ، قال الحافظ في التلخيص : أبو صالح هو مولى أم هانئ ، وهو ضعيف ، وأما حديث حسان بن ثابت فأخرجه أحمد ، وابن ماجه والحاكم .

                                                                                                          قوله : ( فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء ) قال الحافظ ابن حجر : وهو قول الأكثر ومحله ما إذا أمنت الفتنة ، ويؤيد الجواز حديث أنس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال : اتقي الله واصبري إلخ . فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر ، وتقريره حجة ، وممن حمل الإذن على عمومه للرجال والنساء عائشة رضي الله عنها فروى الحاكم من طريق ابن أبي مليكة أنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن ، فقيل لها : أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ؟ قالت : نعم كان نهى ، ثم أمر بزيارتها . انتهى . قلت : ويؤيد الجواز ما رواه مسلم من حديث عائشة قالت كيف أقول يا رسول الله ، تعني : إذا زارت القبور ، قال : قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين الحديث ( وقال بعضهم إنما كره ) أي : النبي صلى الله عليه وسلم وروي بصيغة المجهول قاله القاري ، واستدل من قال بالكراهة بأحاديث الباب ، وبالأحاديث التي وردت في تحريم اتباع الجنائز للنساء ، كحديث أم عطية عند الشيخين : قالت نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا ، وأجاب من قال بالجواز عن أحاديث الباب بأنها محمولة على زيارتهن لمحرم كالنوح ، وغيره ، قال القاري في المرقاة بعد ذكر الأحاديث التي مرت في باب الرخصة في زيارة القبور ما لفظه : هذه الأحاديث بتعليلاتها تدل على أن النساء كالرجال في حكم الزيارة إذا زرن بالشروط المعتبرة في حقهن ، وأما خبر لعن الله زوارات القبور فمحمول على زيارتهن لمحرم كالنوح ، وغيره مما اعتدنه . انتهى ، وقد تقدم قول القرطبي : إن اللعن في حديث الباب للمكثرات من الزيارة ، وهذا هو الظاهر ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية