الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في كراهية الصوم في أيام التشريق

                                                                                                          773 حدثنا هناد حدثنا وكيع عن موسى بن علي عن أبيه عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب قال وفي الباب عن علي وسعد وأبي هريرة وجابر ونبيشة وبشر بن سحيم وعبد الله بن حذافة وأنس وحمزة بن عمرو الأسلمي وكعب بن مالك وعائشة وعمرو بن العاص وعبد الله بن عمرو قال أبو عيسى وحديث عقبة بن عامر حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم يكرهون الصيام أيام التشريق إلا أن قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم رخصوا للمتمتع إذا لم يجد هديا ولم يصم في العشر أن يصوم أيام التشريق وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحق قال أبو عيسى وأهل العراق يقولون موسى بن علي بن رباح وأهل مصر يقولون موسى بن علي وقال سمعت قتيبة يقول سمعت الليث بن سعد يقول قال موسى بن علي لا أجعل أحدا في حل صغر اسم أبي

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في كراهية الصوم في أيام التشريق ) هي ثلاثة أيام تلي عيد النحر ، سميت بذلك من تشريق اللحم وهو تقديده وبسطه في الشمس ليجف ؛ لأن لحوم الأضاحي كانت تشرق فيها بمنى ، وقيل سميت به لأن الهدي والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس أي تطلع ، كذا في النهاية .

                                                                                                          قوله : ( يوم عرفة ) أي اليوم التاسع من ذي الحجة ( ويوم النحر ) أي اليوم العاشر من ذي الحجة ( وأيام التشريق ) أي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ( عيدنا ) بالرفع على الخبرية ( أهل الإسلام ) بالنصب على الاختصاص ( وهي ) أي الأيام الخمسة ( أيام أكل وشرب ) في الحديث دليل على أن يوم عرفة وأيام التشريق أيام عيد كما أن يوم النحر يوم عيد ، وكل هذه الأيام الخمسة أيام أكل وشرب .

                                                                                                          قال الشوكاني في النيل : ظاهر حديث أبي قتادة مرفوعا : " صوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة " ، رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي أنه يستحب صوم عرفة مطلقا ، وظاهر حديث عقبة بن عامر ـ يعني المذكور في هذا الباب ـ أنه يكره صومه مطلقا ، وظاهر حديث أبي هريرة قال : نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صوم عرفة بعرفات ، رواه أحمد وابن ماجه أنه لا يجوز صومه بعرفات فيجمع بين الأحاديث بأن صوم هذا اليوم مستحب لكل أحد مكروه لمن كان بعرفات حاجا . والحكمة في ذلك أنه ربما كان مؤديا إلى الضعف عن الدعاء والذكر يوم عرفة هنالك والقيام بأعمال الحج ، وقيل : الحكمة أنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه ، ويؤيده حديث عقبة بن عامر ، انتهى كلام الشوكاني محصلا .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن علي ) أخرجه النسائي من طريق مسعود بن الحكم عن أمه أنها رأت وهي بمنى في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- راكبا يصيح يقول : يا أيها الناس إنها أيام أكل وشرب ونساء وبعال وذكر الله ، قالت : فقلت : من هذا؟ قالوا : علي بن أبي طالب ، ورواه البيهقي من هذا الوجه لكن قال : إن جدته حدثته ، كذا في التلخيص ( وسعد ) بن أبي وقاص أخرجه أحمد بلفظ [ ص: 403 ] قال : أمرني النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أنادي أيام منى أنها أيام أكل وشرب ولا صوم فيها ، يعني أيام التشريق ، وأخرجه البزار أيضا .

                                                                                                          قال في مجمع الزوائد : رجالهما رجال الصحيح ( وأبي هريرة ) أخرجه الدارقطني في سننه في الضحايا وفيه : وأيام منى أيام أكل وشرب وبعال ، وفي سنده سعيد بن سلام العطار ، قال الزيلعي : رماه أحمد بالكذب ( وجابر ) فلينظر من أخرجه ( ونبيشة ) الهذلي أخرجه مسلم بلفظ : أيام التشريق أيام أكل وشرب ( وبشر بن سحيم ) بمهملتين مصغرا أخرجه النسائي بنحو حديث نبيشة ( وعبد الله بن حذافة ) أخرجه الدارقطني بلفظ : لا تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال يعني أيام منى ، وفي إسناده الواقدي . ( وأنس ) أخرجه الدارقطني بلفظ : إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن خمسة أيام في السنة يوم الفطر ويوم النحر وثلاثة أيام التشريق ، وفي إسناده محمد بن خالد الطحان وهو ضعيف ( وحمزة بن الأعور الأسلمي ) فلينظر من أخرجه ( وكعب بن مالك ) أخرجه أحمد ومسلم وفيه : أيام منى أيام أكل وشرب ( وعائشة ) وابن عمر قال : لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ، أخرجه البخاري ( وعمرو بن العاص ) أخرجه أبو داود ( وعبد الله بن عمرو ) أخرجه البزار . قال الزيلعي في نصب الراية : قال المنذري في حواشيه : وقد روي هذا الحديث من رواية نبيشة .

                                                                                                          قوله : ( حديث عقبة بن عامر حديث حسن صحيح ) وأخرجه أبو داود والنسائي وسكت عنه أبو داود ، ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره .

                                                                                                          قوله : ( إلا أن قوما من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم رخصوا للمتمتع إذا لم يجد هديا ولم يصم في العشر أن يصوم أيام التشريق ) قال الحافظ في الفتح : وقد روى ابن المنذر وغيره عن الزبير بن العوام وأبي طلحة الجواز مطلقا ، وعن علي وعبد الله بن عمرو بن العاص المنع مطلقا ، وهو المشهور عن الشافعي ، وعن ابن عمر وعائشة وعبيد بن عمير في آخرين منعه إلا للمتمتع الذي لا يجد الهدي ، وهو قول مالك والشافعي في القديم ، وعن الأوزاعي وغيره أيضا يصومها المحصر والقارن ، انتهى .

                                                                                                          واستدل القائلون بالمنع مطلقا بأحاديث الباب التي لم تقيد [ ص: 404 ] الجواز للمتمتع ، واستدل القائلون بالجواز للمتمتع بحديث عائشة وابن عمر قالا : لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ، رواه البخاري ، وله عنهما أنهما قالا : الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة ، فإن لم يجد هديا ولم يصم صام أيام منى .

                                                                                                          قال الشوكاني : وهذه الصيغة لها حكم الرفع ، وقد أخرجه الدارقطني والطحاوي بلفظ : رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق ، وفي إسناده يحيى بن سلام وليس بالقوي ولكنه يؤيد ذلك عموم الآية . قالوا وحمل المطلق على المقيد واجب وكذلك بناء العام على الخاص . قاله الشوكاني : وهذا أقوى المذاهب ، وأما القائل بالجواز مطلقا فأحاديث الباب جميعها ترد عليه ( وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق ) وقال أبو حنيفة -رحمه الله- : لا يصوم أيام التشريق . قال محمد في الموطأ : لا ينبغي أن يصام أيام التشريق لمتعة ولا لغيرها لما جاء من النهي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وهو قول أبي حنيفة والعامة من قبلنا ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( أهل العراق يقولون موسى بن علي بن رباح ) بضم العين وفتح اللام مصغرا ( وأهل مصر يقولون موسى بن علي ) بفتح العين وكسر اللام مكبرا .




                                                                                                          الخدمات العلمية