الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في صلاة الخوف

                                                                                                          564 حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا يزيد بن زريع حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو ثم انصرفوا فقاموا في مقام أولئك وجاء أولئك فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم عليهم فقام هؤلاء فقضوا ركعتهم وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم قال أبو عيسى هذا حديث صحيح وقد روى موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مثل هذا قال وفي الباب عن جابر وحذيفة وزيد بن ثابت وابن عباس وأبي هريرة وابن مسعود وسهل بن أبي حثمة وأبي عياش الزرقي واسمه زيد بن صامت وأبي بكرة قال أبو عيسى وقد ذهب مالك بن أنس في صلاة الخوف إلى حديث سهل بن أبي حثمة وهو قول الشافعي وقال أحمد قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف على أوجه وما أعلم في هذا الباب إلا حديثا صحيحا وأختار حديث سهل بن أبي حثمة وهكذا قال إسحق بن إبراهيم قال ثبتت الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف ورأى أن كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف فهو جائز وهذا على قدر الخوف قال إسحق ولسنا نختار حديث سهل بن أبي حثمة على غيره من الروايات

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في صلاة الخوف ) أي أحكام الصلاة عند الخوف من الكفار ، وأجمعوا على أن صلاة الخوف ثابتة الحكم بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- . وعن أبي يوسف أنها مختصة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقوله تعالى : وإذا كنت فيهم .

                                                                                                          وأجيب بأنه قيد واقعي نحو قوله : إن خفتم في صلاة المسافر ، ثم اتفقوا على أن جميع الصفات المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الخوف معتد بها ، وإنما الخلاف بينهم في الترجيح ، وما أحسن قول أحمد : لا حرج على من صلى بواحدة مما صح عنه -عليه الصلاة والسلام- ، كذا في المرقاة ، وذكر الحافظ ابن تيمية في منهاج السنة وغيره : أن الاختلاف الوارد فيه ليس اختلاف تضاد ، بل اختلاف سعة وتخيير ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( عن سالم عن أبيه ) أي عبد الله بن عمر .

                                                                                                          قوله : ( والطائفة الأخرى مواجهة العدو ) . وفي رواية البخاري فقامت طائفة معه وأقبلت طائفة على العدو ( ثم انصرفوا ) أي الطائفة الأولى التي صلت معه -صلى الله عليه وسلم- ( فقاموا في مقام أولئك ) ، أي في مقام الطائفة الثانية التي لم تصل ( ثم سلم ) أي النبي -صلى الله عليه وسلم- ( عليهم ) أي على الطائفة الثانية ( فقام هؤلاء فقضوا ركعتهم وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم ) وفي رواية البخاري فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين .

                                                                                                          قال الحافظ في فتح الباري : لم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا . وظاهر أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة ويحتمل أنهم أتموا على التعاون ، وهو الراجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وإفراد الإمام وحده ، ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود ولفظه : ثم سلم فقام هؤلاء أي الطائفة الثانية فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم [ ص: 122 ] ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ، انتهى .

                                                                                                          وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها ، ووقع في الرافعي تبعا لغيره من كتب الفقه أن في حديث ابن عمر هذا أن الطائفة الثانية تأخرت وجاءت الطائفة الأولى فأتموا ركعة ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية فأتموا ، ولم نقف على ذلك في شيء من الطرق ، وبهذه الكيفية أخذ الحنفية ، واختار في حديث ابن مسعود أشهب والأوزاعي وهي الموافقة لحديث سهل بن أبي حثمة من رواية مالك عن يحيى بن سعيد ، انتهى كلام الحافظ .

                                                                                                          قاله القاري في المرقاة في شرح قوله فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين ، تفصيله أن الطائفة الثانية ذهبوا إلى وجه العدو وجاءت الأولى إلى مكانهم وأتموا صلاتهم منفردين وسلموا وذهبوا إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الثانية وأتموا منفردين وسلموا كما ذكره بعض الشراح من علمائنا ، قال ابن الملك : كذا قيل وبهذا أخذ أبو حنيفة ، لكن الحديث لم يشعر بذلك ، انتهى .

                                                                                                          وهو كذلك ، لكن قال ابن الهمام : ولا يخفى أن هذا الحديث إنما يدل على بعض ما ذهب إليه أبو حنيفة وهو مشي الطائفة الأولى وإتمام الطائفة الثانية في مكانها من خلف الإمام وهو أقل تغييرا ، وقد دل على تمام ما ذهب إليه ما هو موقوف على ابن عباس من رواية أبي حنيفة ، ذكره محمد في كتاب الآثار وساق إسناد الإمام ، ولا يخفى ، أن ذلك مما لا مجال للرأي فيه ، فالموقوف فيه كالمرفوع ، انتهى ما في المرقاة .

                                                                                                          قلت : قال محمد في كتاب الآثار : أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم في صلاة الخوف قال : إذا صلى الإمام بأصحابه فلتقم طائفة منهم مع الإمام وطائفة بإزاء العدو فيصلي الإمام بالطائفة الذين معه ركعة ثم تنصرف الطائفة الذين صلوا مع الإمام من غير أن يتكلموا حتى يقوموا في مقام أصحابهم ، وتأتي الطائفة الأولى حتى يصلوا ركعة وحدانا ثم ينصرفون فيقومون مقام أصحابهم ، وتأتي الطائفة الأخرى حتى يقضوا الركعة التي بقيت عليهم وحدانا .

                                                                                                          قال محمد : أخبرنا أبو حنيفة حدثنا الحارث عن عبد الرحمن عن ابن عباس مثل ذلك . قال محمد : وبهذا كله نأخذ ، انتهى ما في كتاب الآثار .

                                                                                                          قلت : الحارث هذا إن كان هو الأعور فقد كذبه الشعبي وابن المديني ، وإن كان غيره فلا أدري من هو .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن جابر وحذيفة وزيد بن ثابت وابن عباس وأبي هريرة وابن [ ص: 123 ] مسعود وسهل بن أبي حثمة وأبي عياش الزرقي واسمه زيد بن صامت وأبي بكرة ) أما حديث جابر فأخرجه الشيخان ، وأما حديث حذيفة فأخرجه أبو داود والنسائي ، وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه النسائي ، وأما حديث ابن عباس فأخرجه النسائي ، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي ، وأما حديث ابن مسعود فأخرجه أبو داود ، وأما حديث سهل بن أبي حثمة فأخرجه الشيخان ، وأما حديث أبي عياش الزرقي فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي ، وأما حديث أبي بكرة فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي .

                                                                                                          قلت : وفي الباب أيضا عن علي وعائشة وخوات بن جبير وأبي موسى الأشعري . أما حديث علي فأخرجه البزار ، وأما حديث عائشة فأخرجه أبو داود ، وأما حديث خوات بن جبير فأخرجه أبو منده في معرفة الصحابة ، وأما حديث أبي موسى فأخرجه ابن عبد البر في التمهيد .

                                                                                                          قوله : ( وقد ذهب مالك بن أنس في صلاة الخوف إلى حديث سهل بن أبي حثمة ) الآتي ، وفي هذا الباب قال مالك في الموطأ : وحديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات أحب ما سمعت إلي في صلاة الخوف ، انتهى .

                                                                                                          والمراد بحديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات هو حديث سهل بن أبي حثمة ( وهو قول الشافعي إلخ ) .

                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : قد ورد في كيفية صلاة الخوف صفات كثيرة ، ورجح ابن عبد البر الكيفية الواردة في حديث ابن عمر على غيرها ؛ لقوة الإسناد ولموافقة الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام إمامه .

                                                                                                          وعن أحمد قال : ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز ، ومال إلى ترجيح حديث سهل بن أبي حثمة وكذا رجحه الشافعي ولم يختر إسحاق شيئا على شيء ، وبه قال الطبري وغير واحد ، منهم ابن المنذر وسرد ثمانية أوجه وكذا ابن حبان في صحيحه وزاد تاسعا . . وقال ابن حزم : صح فيها أربعة عشر وجها وبينها في جزء مفرد . وقال ابن العربي في القبس : جاء فيها روايات كثيرة أصحها ست عشرة رواية مختلفة ولم يبينها ، وقال النووي في شرح مسلم : ولم يبينها أيضا وقد بينها شيخنا أبو الفضل في شرح الترمذي وزاد وجها آخر فصارت سبعة عشر وجها لكن يمكن أن تتداخل .

                                                                                                          قال صاحب الهدى : أصولها ست صفات بلغها بعضهم أكثر وهؤلاء [ ص: 124 ] كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما هو من اختلاف الرواة ، انتهى . وهذا هو المعتمد وإليه أشار شيخنا بقوله : يمكن تداخلها ، انتهى ما في الفتح .

                                                                                                          ( وما أعلم في هذا الباب إلا حديثا صحيحا ) قال الحافظ في التلخيص : ونقل ابن الجوزي عن أحمد أنه قال : ما أعلم في هذا الباب حديثا إلا صحيحا .

                                                                                                          قوله : ( حديث ابن عمر حديث حسن صحيح ) أخرجه الأئمة الستة .




                                                                                                          الخدمات العلمية