الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      3954 حدثنا موسى بن إسمعيل حدثنا حماد عن قيس عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( عن عطاء ) هو ابن أبي رباح ( فلما كان عمر ) . أي : صار خليفة ( نهانا ) عن بيع أمهات الأولاد ( فانتهينا ) وأخرج أحمد وابن ماجه عن أبي الزبير عن جابر أنه سمعه [ ص: 389 ] يقول : كنا نبيع سرارينا أمهات أولادنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - فينا حي لا نرى بذلك بأسا . قال البيهقي : وليس في شيء من الطرق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اطلع على ذلك يعني بيع أمهات الأولاد وأقرهم عليه انتهى . وأيضا قول جابر لا نرى بذلك بأسا الرواية فيه بالنون التي للجماعة ولو كانت بالياء التحتية لكان دلالة على التقرير لكن قال الحافظ في الفتح أنه روى ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق أبي سلمة عن جابر ما يدل على ذلك يعني الاطلاع والتقرير كذا في النيل . قلت : ستجيء الرواية بالياء التحتية أيضا في كلام المنذري .

                                                                      وأما قول الصحابي : كنا نفعل فمحمول على الرفع على الصحيح وعليه جرى عمل الشيخين .

                                                                      [ ص: 390 ] وأخرج عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج أنبأنا عبد الرحمن بن الوليد أن أبا إسحاق الهمداني أخبره أن أبا بكر الصديق كان يبيع أمهات الأولاد في إمارته وعمر في نصف إمارته .

                                                                      [ ص: 391 ] قال المنذري : وأخرج النسائي وابن ماجه من حديث أبي الزبير عن جابر قال كنا نبيع أمهات الأولاد والنبي - صلى الله عليه وسلم - حي ما يرى بأسا وهو حديث حسن . وأخرج النسائي من حديث زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد في أمهات الأولاد وقال : كنا نبيعهن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير أن زيدا العمي لا يحتج بحديثه قال بعض أهل العلم : يحتمل أن يكون هذا الفعل منهم في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يشعر بذلك أنه أمر يقع نادرا أو ليست أمهات الأولاد كسائر الرقيق التي يتداولها الأملاك فيكثر بيعهن فلا يخفى الأمر على الخاصة والعامة وقد يحتمل أن يكون ذلك مباحا في العصر الأول ثم نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ولم يعلم به أبو بكر ؛ لأن ذلك لم يحدث في أيامه لقصر مدتها أو لاشتغاله بأمور الدين ومحاربة أهل الردة ثم نهى عنه عمر - رضي الله عنه - حين بلغه ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانتهوا عنه انتهى .

                                                                      وقال في المنتقى : إنما وجه هذا أن يكون ذلك مباحا ثم نهي عنه ولم يظهر النهي لمن [ ص: 392 ] باعها ولا علم أبو بكر بما باع في زمانه لقصر مدته واشتغاله بأهم أمور الدين ثم ظهر ذلك زمن عمر فأظهر النهي والمنع وهذا مثل حديث جابر أيضا في المتعة قال : " كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر حتى نهانا عنه عمر في شأن عمرو بن حريث " رواه مسلم وإنما وجهه ما سبق لامتناع النسخ بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى .

                                                                      وقال التوربشتي : يحتمل أن النسخ لم يبلغ العموم في عهد الرسالة ويحتمل أن بيعهم في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قبل النسخ وهذا أولى التأويلين وأما بيعهم في خلافة أبي بكر فلعل ذلك كان في فرد قضية فلم يعلم به أبو بكر - رضي الله عنه - ولا من كان عنده علم بذلك فحسب جابر أن الناس كانوا على تجويزه فحدث مما تقرر عنده في أول الأمر فلما اشتهر [ ص: 393 ] نسخه في زمان عمر - رضي الله عنه - عاد إلى قول الجماعة يدل عليه قوله : فلما كان عمر نهانا عنه فانتهينا ، انتهى .

                                                                      9 - باب في بيع المدبر




                                                                      الخدمات العلمية