الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      3220 حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك أخبرني عمرو بن عثمان بن هانئ عن القاسم قال دخلت على عائشة فقلت يا أمه اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء قال أبو علي يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم وأبو بكر عند رأسه وعمر عند رجليه رأسه عند رجلي رسول الله صلى الله عليه وسلم

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( عن القاسم ) : بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ( يا أمه ) : بسكون الهاء وهي عمته ، لكن قال : يا أمه ؛ لأنها بمنزلة أمه أو لكونها أم المؤمنين ( اكشفي لي ) : أي أظهري وارفعي الستارة ( وصاحبيه ) : أي ضجيعيه وهما أبو بكر وعمر رضي الله عنه ( فكشفت لي ) : أي لأجلي أو لرؤيتي ( لا مشرفة ) : أي مرتفعة غاية الارتفاع ، وقيل أي عالية أكثر من شبر ( ولا لاطئة ) : بالهمزة والهاء أي مستوية على وجه الأرض ، يقال لطأ بالأرض أي لصق بها ( مبطوحة ) : صفة القبور . قال ابن الملك : أي مسواة مبسوطة على الأرض . قال القاري : وفيه أنها تكون حينئذ بمعنى لاطئة وتقدم نفيها والصواب أن معناها ملقاة فيها البطحاء . قال في النهاية : بطح المكان تسويته وبطح المسجد ألقى فيه البطحاء وهو الحصى الصغار ، العرصة جمعها عرصات وهي كل موضع واسع لا بناء فيه والبطحاء مسيل واسع فيه دقاق الحصى والمراد بها هنا الحصى لإضافتها إلى العرصة ( الحمراء ) : صفة للبطحاء أو العرصة .

                                                                      قال الطيبي : أي كشفت لي عن ثلاثة قبور لا مرتفعة ولا منخفضة لاصقة بالأرض مبسوطة مسواة ، والبطح : أن يجعل ما ارتفع من الأرض مسطحا حتى يسوى ويذهب التفاوت كذا في المرقاة . قال السيد جمال الدين : والأولى أن يقال معناه ألقي فيها بطحاء العرصة الحمراء انتهى .

                                                                      وأخرج أبو بكر النجاد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره من الأرض شبرا وطين بطين أحمر من العرصة انتهى .

                                                                      وأخرج الحاكم من هذا الوجه وزاد " ورأيت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدما وأبو بكر رأسه بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر رأسه عند رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم "

                                                                      وفي الباب عن صالح بن أبي صالح عند أبي داود في المراسيل قال " رأيت قبر [ ص: 32 ] النبي صلى الله عليه وسلم شبرا أو نحو شبر . وعن عيثم بن بسطام المديني عند أبي بكر الآجري في كتاب صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قال " رأيت قبره صلى الله عليه وسلم في إمارة عمر بن عبد العزيز فرأيته مرتفعا نحوا من أربع أصابع ، ورأيت قبر أبي بكر وراء قبره ، ورأيت قبر عمر وراء أبي بكر أسفل منه " .

                                                                      وأخرج البخاري في صحيحه عن سفيان التمار " أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما " انتهى أي مرتفعا . قال في القاموس : التسنيم ضد التسطيح وقال : سطحه كمنعه بسطه . وقد اختلف أهل العلم في الأفضل من التسنيم والتسطيح بعد الاتفاق على جواز الكل ؛ فذهب الشافعي وبعض أصحابه إلى أن التسطيح أفضل واستدلوا برواية القاسم بن محمد وما وافقها ، قالوا : وقول سفيان التمار لا حجة فيه كما قال البيهقي لاحتمال أن قبره صلى الله عليه وسلم لم يكن في الأول مسنما بل كان في أول الأمر مسطحا ثم لما بني جدار القبر في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد بن عبد الملك صيروها مرتفعة وبهذا يجمع بين الروايات ، ويرجح التسطيح أمره صلى الله عليه وسلم عليا أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه .

                                                                      وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والمزني وكثير من الشافعية وادعى القاضي حسين اتفاق أصحاب الشافعي عليه ونقله القاضي عياض عن أكثر العلماء أن التسنيم أفضل وتمسكوا بقول سفيان التمار .

                                                                      قال الشوكاني : والأرجح أن الأفضل التسطيح والله أعلم ، وحديث القاسم سكت عنه المنذري

                                                                      ( قال أبو علي ) : هو اللؤلئي راوي السنن ( عند رأسه ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم ( عند رجليه ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم ( رأسه ) : أي عمر وهذه صفة القبور الثلاثة وجدت في بعض النسخ الصحيحة والله أعلم .




                                                                      الخدمات العلمية