الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في الشاة يضحى بها عن جماعة

                                                                      2810 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب يعني الإسكندراني عن عمرو عن المطلب عن جابر بن عبد الله قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره وأتي بكبش فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال بسم الله والله أكبر هذا عني وعمن لم يضح من أمتي [ ص: 3 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 3 ] ( نزل من منبره ) : فيه ثبوت وجود المنبر في المصلى وأن النبي كان يخطب عليه هذا عني وعمن لم يضح من أمتي : قال في فتح الودود : استدل به من يقول الشاة الواحدة إذا ضحى بها واحد من أهل بيت تأدى الشعار والسنة بجميعهم ، وعلى هذا يكون التضحية سنة كفاية لأهل بيت وهو محمل الحديث ، ومن لا يقول به يحمل الحديث على الاشتراك في الثواب ، قيل وهو الأوجه في الحديث عند الكل . . انتهى .

                                                                      قلت : المذهب الحق هو أن الشاة تجزئ عن أهل البيت ؛ لأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك في عهد رسول الله . قال أبو أيوب الأنصاري كان الرجل في عهد النبي يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصار كما ترى رواه ابن ماجه والترمذي وصححه . وأخرج ابن ماجه من طريق الشعبي عن أبي سريحة قال " حملني أهلي على الجفاء بعدما علمت من السنة كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين والآن يبخلنا جيراننا " قال السندي : إسناده صحيح ورجاله موثقون .

                                                                      ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم اللهم تقبل من محمد وآل محمد الحديث في رواية عائشة ، وقد مر في باب ما يستحب من الضحايا . وأخرج الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد عن [ ص: 4 ] عبد الله بن هشام قال : كان النبي يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله وعند ابن أبي شيبة وأبي يعلى الموصلي عن أبي طلحة أن النبي ضحى بكبشين أملحين فقال عند الأول عن محمد وآل محمد ، وعند الثاني عمن آمن بي وصدقني من أمتي ، وعند ابن أبي شيبة من حديث أنس قال : ضحى رسول الله بكبشين أملحين أقرنين قرب أحدهما فقال بسم الله اللهم منك ولك هذا من محمد وأهل بيته ، وقرب الآخر فقال : بسم الله اللهم منك ولك هذا مني عمن وحدك من أمتي .

                                                                      وقد أورد أحاديث الباب بأسرها الحافظ جمال الدين الزيلعي في نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية .

                                                                      قال الترمذي في باب الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت : والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق ، واحتجا بحديث النبي أنه ضحى بكبش فقال هذا عمن لم يضح من أمتي . . انتهى .

                                                                      وقال الحافظ الخطابي في المعالم : قوله من محمد وآل محمد ومن أمة محمد فيه دليل على أن الشاة الواحدة تجزئ عن الرجل وعن أهله وإن كثروا وروي عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما أنهما كانا يفعلان ذلك ، وأجازه مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه ، وكره ذلك أبو حنيفة والثوري رحمهما الله تعالى . . انتهى .

                                                                      وأخرج ابن أبي الدنيا عن علي رضي الله عنه أنه كان يضحي بالضحية الواحدة عن جماعة أهله . . انتهى .

                                                                      وأورد الزيلعي أحاديث إجزاء الشاة الواحدة ثم قال : ويشكل على المذهب في منعهم الشاة لأكثر من واحد بالأحاديث المتقدمة أن النبي ضحى بكبش عنه وعن أمته : وأخرج الحاكم عن عبد الله بن هشام قال : كان رسول الله يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله وقال صحيح الإسناد ، وهو خلاف من يقول إنها لا تجزئ إلا عن الواحد . . انتهى .

                                                                      ومذهب ليث بن سعد أيضا بجوازه كما حكاه عنه العيني في شرح الهداية .

                                                                      وقال الإمام ابن القيم في زاد المعاد : وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته ولو كثر عددهم ، كما قال عطاء بن يسار عن أبي أيوب الأنصاري وقال [ ص: 5 ] الترمذي حديث حسن صحيح انتهى مختصرا . وأخرج أحمد في مسنده حدثنا إبراهيم بن أبي العباس حدثنا بقية قال حدثني عثمان بن زفر الجهني حدثني أبو الأشد السلمي عن أبيه عن جده قال كنت سابع سبعة مع رسول الله ، قال فأمرنا نجمع لكل رجل منا درهما فاشترينا أضحية بسبع الدراهم ، فقلنا يا رسول الله لقد أغلينا بها ، فقال رسول الله إن أفضل الضحايا أغلاها وأسمنها ، وأمر رسول الله فأخذ رجل برجل ورجل برجل ورجل بيد ورجل بيد ورجل بقرن ورجل بقرن وذبحها السابع وكبرنا عليها جميعا قال ابن القيم في آخر إعلام الموقعين بعد إيراد الحديث المذكور : نزل هؤلاء النفر منزلة أهل البيت الواحد في إجزاء الشاة عنهم لأنهم كانوا رفقة واحدة . . انتهى .

                                                                      وقال الحافظ في الفتح في باب الأضحية للمسافر والنساء : واستدل به الجمهور على أن ضحية الرجل تجزئ عنه وعن أهل بيته ، وخالف في ذلك الحنفية وادعى الطحاوي أنه مخصوص أو منسوخ ولم يأت لذلك بدليل . قال القرطبي : لم ينقل أن النبي أمر كل واحدة من نسائه بأضحية مع تكرار سن الضحايا ومع تعددهن ، والعادة تقضي بنقل ذلك لو وقع كما نقل غير ذلك من الجزئيات . ويؤيده ما أخرجه مالك وابن ماجه والترمذي وصححه من طريق عطاء بن يسار سألت أبا أيوب فذكر الحديث . . انتهى .

                                                                      وقال الشوكاني في السيل الجرار : والحق أنها تجزئ عن أهل البيت وإن كانوا مائة نفس انتهى ، وهكذا في النيل والدراري المضيئة كلاهما للشوكاني وكذا في سبل السلام وغير ذلك من كتب المحدثين .

                                                                      والحاصل أن الشاة الواحدة تجزئ في الأضحية دون الهدي عن الرجل وعن أهله وإن كثروا كما تدل عليه رواية عائشة أم المؤمنين عن مسلم وأبي داود ، ورواية جابر عند الدارمي وأصحاب السنن ، ورواية أبي أيوب الأنصاري عند مالك والترمذي وابن ماجه ، ورواية عبد الله بن هشام وكان قد أدرك النبي عند الحاكم في المستدرك ، ورواية أبي طلحة وأنس عند ابن أبي شيبة ، ورواية أبي رافع ، وجد أبي الأشد عند أحمد ، ورواية غير ذلك من الصحابة . وما زعمه الطحاوي أن هذا الحديث منسوخ أو مخصوص به صلى الله عليه وسلم فغلطه العلماء في ذلك كما ذكره النووي . فإن النسخ والتخصيص لا يثبتان بمجرد الدعوى بل روي عن علي وأبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم أنهم كانوا يفعلون ذلك كما ذكره [ ص: 6 ] الخطابي وغيره ، وأجازه الأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وإسحاق ابن راهويه وغيرهم من الأئمة . ومتمسك من قال إن الشاة الواحدة في الأضحية لا تجزئ عن جماعة القياس على الهدي وهو فاسد الاعتبار ؛ لأنه قياس في مقابل النص ، والضحية غير الهدي ولهما حكمان مختلفان فلا يقاس أحدهما على الآخر ؛ لأن النص ورد على التفرقة فوجب تقديمه على القياس فالصواب جوازه ، والحق مع هؤلاء الأئمة المذكورين رضي الله عنهم . انتهى مختصرا من غاية المقصود .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه الترمذي وقال هذا حديث غريب من هذا الوجه . وقال المطلب بن عبد الله بن حنطب : يقال إنه لم يسمع من جابر . هذا آخر كلامه . وقال أبو حاتم الرازي يشبه أن يكون أدركه .




                                                                      الخدمات العلمية