الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                974 وحدثني هارون بن سعيد الأيلي حدثنا عبد الله بن وهب أخبرنا ابن جريج عن عبد الله بن كثير بن المطلب أنه سمع محمد بن قيس يقول سمعت عائشة تحدث فقالت ألا أحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعني قلنا بلى ح وحدثني من سمع حجاجا الأعور واللفظ له قال حدثنا حجاج بن محمد حدثنا ابن جريج أخبرني عبد الله رجل من قريش عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوما ألا أحدثكم عني وعن أمي قال فظننا أنه يريد أمه التي ولدته قال قالت عائشة ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا بلى قال قالت لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت فأخذ رداءه رويدا وانتعل رويدا وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدا فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات ثم انحرف فانحرفت فأسرع فأسرعت فهرول فهرولت فأحضر فأحضرت فسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال ما لك يا عائش حشيا رابية قالت قلت لا شيء قال لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير قالت قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته قال فأنت السواد الذي رأيت أمامي قلت نعم فلهدني في صدري لهدة أوجعتني ثم قال أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله قالت مهما يكتم الناس يعلمه الله نعم قال فإن جبريل أتاني حين رأيت فناداني فأخفاه منك فأجبته فأخفيته منك ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشي فقال إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم قالت قلت كيف أقول لهم يا رسول الله قال قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( حدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا عبد الله بن وهب أخبرنا ابن جريج عن عبد الله بن كثير بن المطلب أنه سمع محمد بن قيس يقول : سمعت عائشة تحدث فقالت : ألا أحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وعني ؟ قلنا : بلى ح وحدثني من سمع حجاجا الأعور واللفظ له ، قال : حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج أخبرني عبد الله رجل من قريش عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوما : ألا أحدثكم عني وعن أمي ) إلى آخره . قال القاضي : هكذا وقع في مسلم في إسناد حديث حجاج عن ابن جريج أخبرني عبد الله رجل من قريش ، وكذا رواه أحمد بن حنبل ، وقال النسائي وأبو نعيم الجرجاني وأبو [ ص: 37 ] بكر النيسابوري وأبو عبد الله الجرجاني كلهم : عن يوسف بن سعيد المصيصي ، حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني عبد الله بن أبي مليكة . وقال الدارقطني : هو عبد الله بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ، قال أبو علي الغساني الجياني : هذا الحديث أحد الأحاديث المقطوعة في مسلم قال : وهو أيضا من الأحاديث التي وهم في رواتها ، وقد رواه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج ، قال أخبرني محمد بن قيس بن مخرمة أنه سمع عائشة قال القاضي : قوله : إن هذا مقطوع لا يوافق عليه ، بل هو مسند وإنما لم يسم رواته فهو من باب المجهول لا من باب المنقطع ، إذ المنقطع ما سقط من رواته راو قبل التابعي . قال القاضي : ووقع في مسنده إشكال آخر وهو : أن قول مسلم : ( وحدثني من سمع حجاجا الأعور واللفظ له قال : حدثنا حجاج بن محمد ) يوهم أن حجاجا الأعور حدث به عن آخر يقال له : حجاج بن محمد ، وليس كذا ، بل حجاج الأعور هو حجاج بن محمد بلا شك ، وتقدير كلام مسلم حدثني من سمع حجاجا الأعور قال هذا المحدث : حدثني حجاج بن محمد ؛ فحكى لفظ المحدث . هذا كلام القاضي ، قلت : ولا يقدح رواية مسلم لهذا الحديث عن هذا المجهول الذي سمعه منه عن حجاج الأعور ؛ لأن مسلما ذكره متابعة لا متأصلا معتمدا عليه ، بل الاعتماد على الإسناد الصحيح قبله .

                                                                                                                قولها : ( فلم يلبث إلا ريثما ) هو بفتح الراء وإسكان الياء وبعدها ثاء مثلثة أي قدر ما .

                                                                                                                قولها : ( فأخذ رداءه رويدا ) أي قليلا لطيفا لئلا ينبهها .

                                                                                                                قولها : ( ثم أجافه ) بالجيم أي أغلقه ، وإنما فعل ذلك صلى الله عليه وسلم في خفية لئلا يوقظها ويخرج عنها ، فربما لحقها وحشة في انفرادها في ظلمة الليل .

                                                                                                                قولها : ( وتقنعت إزاري ) هكذا هو في الأصول ( إزاري ) بغير باء في أوله ، وكأنه بمعنى لبست إزاري فلهذا عدي بنفسه .

                                                                                                                قولها : ( جاء البقيع فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات ) فيه : استحباب إطالة الدعاء وتكريره ، ورفع اليدين فيه . وفيه : أن دعاء القائم أكمل من دعاء الجالس في القبور .

                                                                                                                قولها : ( فأحضر فأحضرت ) الإحضار : العدو .

                                                                                                                [ ص: 38 ] قولها : ( فقال : ما لك يا عائش حشيا رابية ) يجوز في عائش فتح الشين وضمها ، وهما وجهان جاريان في كل المرخمات . وفيه : جواز ترخيم الاسم إذا لم يكن فيه إيذاء للمرخم ( وحشيا ) بفتح الحاء المهملة وإسكان الشين المعجمة مقصور معناه : وقد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره . يقال : امرأة حشياء وحشية ورجل حشيان وحشش ، قيل : أصله من أصاب الربو حشاه . وقوله : ( رابية ) أي مرتفعة البطن .

                                                                                                                قولها : ( لا بي شيء ) وقع في بعض الأصول ( لا بي شيء ) بباء الجر ، وفي بعضها ( لأي شيء ) بتشديد الياء وحذف الباء على الاستفهام ، وفي بعضها ( لا شيء ) وحكاها القاضي قال : وهذا الثالث أصوبها .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( فأنت السواد ) أي الشخص .

                                                                                                                قولها : ( فلهدني ) هو بفتح الهاء والدال المهملة ، وروي ( فلهزني ) بالزاي وهما متقاربان . قال أهل اللغة : لهده ولهده بتخفيف الهاء وتشديدها أي دفعه ، ويقال : لهزه إذا ضربه بجمع كفه في صدره ، ويقرب منهما لكزه ووكزه .

                                                                                                                قوله : ( قالت : مهما يكتم الناس يعلمه الله نعم ) هكذا هو في الأصول ، وهو صحيح ، وكأنها لما قالت : مهما يكتم الناس يعلمه الله صدقت نفسها فقالت : نعم .

                                                                                                                قولها : ( قلت : كيف أقول يا رسول الله ؟ قال : قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منكم ومنا والمستأخرين وإنا إن شاء الله تعالى بكم للاحقون ) فيه [ ص: 39 ] استحباب هذا القول لزائر القبور . وفيه : ترجيح لقول من قال : في قوله ( سلام عليكم دار قوم مؤمنين ) أن معناه أهل دار قوم مؤمنين . وفيه : أن المسلم والمؤمن قد يكونان بمعنى واحد ، وعطف أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظ وهو بمعنى قوله تعالى : فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ولا يجوز أن يكون المراد بالمسلم في هذا الحديث غير المؤمن ؛ لأن المؤمن إن كان منافقا لا يجوز السلام عليه والترحم . وفيه : دليل لمن جوز للنساء زيارة القبور ، وفيها خلاف للعلماء وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا :

                                                                                                                أحدها : تحريمها عليهن لحديث : لعن الله زوارات القبور

                                                                                                                والثاني : يكره .

                                                                                                                والثالث : يباح ، ويستدل له بهذا الحديث وبحديث كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ويجاب عن هذا بأن نهيتكم ضمير ذكور فلا يدخل فيه النساء على المذهب الصحيح المختار في الأصول . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية