الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        4536 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي قال حدثنا الأعمش قال سمعت أبا صالح قال سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بين النفختين أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما قال أبيت قال أربعون سنة قال أبيت قال أربعون شهرا قال أبيت ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه فيه يركب الخلق

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما بين النفختين ) تقدم في أحاديث الأنبياء الرد على من زعم أنها أربع نفخات ، وحديث الباب يؤيد الصواب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أربعون قالوا يا أبا هريرة أربعون يوما ) لم أقف على اسم السائل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أبيت ) بموحدة أي امتنعت عن القول بتعيين ذلك لأنه ليس عندي في ذلك توقيف ، ولابن مردويه من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش في هذا الحديث فقال : " أعييت " من الإعياء وهو التعب ، وكأنه أشار إلى كثرة من يسأله عن تبيين ذلك فلا يجيبه ، وزعم بعض الشراح أنه وقع عند مسلم أربعين سنة ولا وجود لذلك ، نعم أخرج ابن مردويه من طريق سعيد بن الصلت عن الأعمش في هذا الإسناد " أربعون سنة " وهو شاذ . ومن وجه ضعيف عن ابن عباس قال : " ما بين النفخة والنفخة أربعون سنة " ذكره في أواخر سورة " ص " ، وكأن أبا هريرة لم يسمعها إلا مجملة فلهذا قال : لمن عينها له " أبيت " . وقد أخرج ابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن أبي هريرة قال : " بين النفختين أربعون . قالوا : أربعون ماذا ؟ قال : هكذا سمعت " وقال : ابن التين : ويحتمل أيضا أن يكون علم ذلك لكن سكت ليخبرهم في وقت ، أو اشتغل عن الإعلام حينئذ . ووقع في " جامع ابن وهب " أربعين جمعة ، وسنده منقطع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه ، فيه يركب الخلق ) في رواية مسلم ليس من الإنسان [ ص: 415 ] شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا الحديث . وأفرد هذا القدر من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ : كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب ، منه خلق ومنه يركب وله من طريق همام عن أبي هريرة قال : " إن في الإنسان عظما لا تأكله الأرض أبدا ، فيه يركب يوم القيامة . قالوا : أي عظم هو ؟ قال : عجب الذنب " وفي حديث أبي سعيد عند الحاكم وأبي يعلى قيل يا رسول الله ما عجب الذنب ؟ قال : مثل حبة خردل والعجب بفتح المهملة وسكون الجيم بعدها موحدة ويقال له " عجم " بالميم أيضا عوض الباء . وهو عظم لطيف في أصل الصلب ، وهو رأس العصعص ، وهو مكان رأس الذنب من ذوات الأربع . وفي حديث أبي سعيد الخدري عند ابن أبي الدنيا وأبي داود والحاكم مرفوعا إنه مثل حبة الخردل قال : ابن الجوزي قال : ابن عقيل : لله في هذا سر لا يعلمه إلا الله ، لأن من يظهر الوجود من العدم لا يحتاج إلى شيء يبني عليه . ويحتمل أن يكون ذلك جعل علامة للملائكة على إحياء كل إنسان بجوهره ، ولا يحصل العلم للملائكة بذلك إلا بإبقاء عظم كل شخص ليعلم أنه إنما أراد بذلك إعادة الأرواح إلى تلك الأعيان التي هي جزء منها ، ولولا إبقاء شيء منها لجوزت الملائكة أن الإعادة إلى أمثال الأجساد لا إلى نفس الأجساد . وقوله في الحديث " ويبلى كل شيء من الإنسان " يحتمل أن يريد به يفنى أي تعدم أجزاؤه بالكلية ، ويحتمل أن يراد به يستحيل فتزول صورته المعهودة فيصير على صفة جسم التراب ، ثم يعاد إذا ركبت إلى ما عهد . وزعم بعض الشراح أن المراد أنه لا يبلى أي يطول بقاؤه ، لا أنه لا يفنى أصلا . والحكمة فيه أنه قاعدة بدء الإنسان وأسه الذي ينبني عليه فهو أصلب من الجميع كقاعدة الجدار ، وإذا كان أصلب كان أدوم بقاء ، وهذا مردود لأنه خلاف الظاهر بغير دليل . وقال : العلماء : هذا عام يخص منه الأنبياء ، لأن الأرض لا تأكل أجسادهم . وألحق ابن عبد البر بهم الشهداء والقرطبي المؤذن المحتسب . قال : عياض فتأويل الخبر وهو كل ابن آدم يأكله التراب أي : كل ابن آدم مما يأكله التراب وإن كان التراب لا يأكل أجسادا كثيرة كالأنبياء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : إلا عجب ذنبه أخذ بظاهره الجمهور فقالوا : لا يبلى عجب الذنب ولا يأكله التراب ، وخالف المزني فقال : " إلا " هنا بمعنى الواو ، أي وعجب الذنب أيضا يبلى . وقد أثبت هذا المعنى الفراء والأخفش فقالوا : ترد " إلا " بمعنى الواو . ويرد ما انفرد به المزني التصريح بأن الأرض لا تأكله أبدا كما ذكرته من رواية همام ، وقوله في رواية الأعرج " منه خلق " يقتضي أنه أول كل شيء يخلق من الآدمي ، ولا يعارضه حديث سلمان " أن أول ما خلق من آدم رأسه " لأنه يجمع بينهما بأن هذا في حق آدم وذاك في حق بنيه ، أو المراد بقول سلمان نفخ الروح في آدم لا خلق جسده

                                                                                                                                                                                                        40 - سورة المؤمن قال مجاهد : مجازها مجاز أوائل السور ، ويقال : بل هو اسم لقول شريح بن أبي أوفى العبسي :

                                                                                                                                                                                                        يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم قبل التقدم

                                                                                                                                                                                                        الطول : التفضل . داخرين : خاضعين ، وقال مجاهد : إلى النجاة : الإيمان . ليس له دعوة : يعني الوثن . يسجرون : توقد بهم النار . تمرحون : تبطرون . وكان العلاء بن زياد يذكر النار ، فقال رجل : لم تقنط الناس ؟ قال : وأنا أقدر أن أقنط الناس ؟ والله عز وجل يقول : يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ويقول : وأن المسرفين هم أصحاب النار ولكنكم تحبون أن تبشروا بالجنة على مساوئ [ ص: 416 ] أعمالكم . وإنما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - مبشرا بالجنة لمن أطاعه ، ومنذرا بالنار من عصاه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية