الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 201 ]

القول في تأويل قوله عز وجل ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين ( 27 ) )

قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : واتل على هؤلاء اليهود الذين هموا أن يبسطوا أيديهم إليكم ، وعلى أصحابك معك وعرفهم مكروه عاقبة الظلم والمكر ، وسوء مغبة الختر ونقض العهد ، وما جزاء الناكث وثواب الوافي خبر ابني آدم ، هابيل وقابيل ، وما آل إليه أمر المطيع منهما ربه الوافي بعهده ، وما إليه صار أمر العاصي منهما ربه الخاتر الناقض عهده . فلتعرف بذلك اليهود وخامة غب غدرهم ونقضهم ميثاقهم بينك وبينهم ، وهمهم [ ص: 202 ] بما هموا به من بسط أيديهم إليك وإلى أصحابك ، فإن لك ولهم في حسن ثوابي وعظم جزائي على الوفاء بالعهد الذي جازيت المقتول الوافي بعهده من ابني آدم ، وعاقبت به القاتل الناكث عهده عزاء جميلا .

واختلف أهل العلم في سبب تقريب ابني آدم القربان ، وسبب قبول الله عز وجل ما تقبل منه ، ومن اللذان قربا؟

فقال بعضهم : كان ذلك عن أمر الله جل وعز إياهما بتقريبه ، وكان سبب القبول أن المتقبل منه قرب خير ماله ، وقرب الآخر شر ماله ، وكان المقربان ابني آدم لصلبه ، أحدهما : هابيل ، والآخر : قابيل .

ذكر من قال ذلك :

11704 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن هشام بن سعد ، عن إسماعيل بن رافع قال : بلغني أن ابني آدم لما أمرا بالقربان ، كان أحدهما صاحب غنم ، وكان أنتج له حمل في غنمه ، فأحبه حتى كان يؤثره بالليل ، وكان يحمله على ظهره من حبه ، حتى لم يكن له مال أحب إليه منه . فلما أمر بالقربان قربه لله فقبله الله منه ، فما زال يرتع في الجنة حتى فدي به ابن إبراهيم صلى الله عليهما .

11705 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا عوف ، عن أبي المغيرة ، عن عبد الله بن عمرو قال : إن ابني آدم اللذين قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ، كان أحدهما صاحب حرث ، [ ص: 203 ] والآخر صاحب غنم . وأنهما أمرا أن يقربا قربانا وإن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبة بها نفسه وإن صاحب الحرث قرب شر حرثه ، [ الكوزن ] والزوان ، غير طيبة بها نفسه وإن الله تقبل قربان صاحب الغنم ، ولم يتقبل قربان صاحب الحرث . وكان من قصتهما ما قص الله في كتابه . وقال : أيم الله ، إن كان المقتول لأشد الرجلين ، ولكن منعه التحرج أن يبسط يده إلى أخيه .

وقال آخرون : لم يكن ذلك من أمرهما عن أمر الله إياهما به .

ذكر من قال ذلك :

11706 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : كان من شأنهما أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه ، وإنما كان القربان يقربه الرجل . فبينا ابنا آدم قاعدان إذ قالا : "لو قربنا قربانا"! وكان الرجل إذا قرب قربانا فرضيه الله جل وعز ، أرسل إليه نارا فأكلته . وإن لم يكن رضيه الله ، خبت النار . فقربا قربانا ، وكان أحدهما راعيا ، وكان الآخر حراثا ، وإن صاحب الغنم قرب خير غنمه وأسمنها ، وقرب الآخر بعض زرعه . فجاءت النار فنزلت بينهما ، فأكلت الشاة وتركت [ ص: 204 ] الزرع ، وإن ابن آدم قال لأخيه : أتمشي في الناس وقد علموا أنك قربت قربانا فتقبل منك ، ورد علي؟ فلا والله لا تنظر الناس إلي وإليك وأنت خير مني!! فقال : لأقتلنك! فقال له أخوه : ما ذنبي؟ إنما يتقبل الله من المتقين .

11707 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى قال : حدثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "إذ قربا قربانا" ، قال : ابنا آدم ، هابيل وقابيل ، لصلب آدم . فقرب أحدهما شاة ، وقرب الآخر بقلا فقبل من صاحب الشاة ، فقتله صاحبه .

11708 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

11709 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا " قال : هابيل وقابيل ، فقرب هابيل عناقا من أحسن غنمه ، وقرب قابيل زرعا من زرعه . قال : فأكلت النار العناق ، ولم تأكل الزرع ، فقال : لأقتلنك! قال : إنما يتقبل الله من المتقين .

11710 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا رجل سمع مجاهدا في قوله واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا " قال : هو هابيل ، وقابيل لصلب آدم ، قربا قربانا ، قرب أحدهما شاة من غنمه ، وقرب الآخر بقلا فتقبل من صاحب الشاة ، فقال لصاحبه : لأقتلنك! فقتله . فعقل الله إحدى رجليه بساقها إلى فخذها إلى يوم القيامة ، وجعل وجهه إلى الشمس حيثما دارت ، عليه حظيرة من ثلج في الشتاء ، وعليه في الصيف حظيرة من نار ، ومعه [ ص: 205 ] سبعة أملاك ، كلما ذهب ملك جاء الآخر .

11711 - حدثنا سفيان قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ح ، وحدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : "واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر" ، قال : قرب هذا كبشا ، وقرب هذا صبرا من طعام ، فتقبل من أحدهما ، قال : تقبل من صاحب الشاة ، ولم يتقبل من الآخر .

11712 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر " ، كان رجلان من بني آدم ، فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر .

11713 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا عبيد الله ، عن فضيل بن مرزوق ، عن عطية واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق " ، قال : كان أحدهما اسمه قابيل ، والآخر هابيل ، أحدهما صاحب غنم ، والآخر صاحب زرع ، فقرب هذا من أمثل غنمه حملا وقرب هذا من أرذل زرعه ، قال : فنزلت النار فأكلت الحمل ، فقال لأخيه : لأقتلنك!

11714 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول : أن آدم أمر ابنه قابيل أن ينكح أخته تؤمه هابيل ، وأمر هابيل أن ينكح أخته تؤمه قابيل ، فسلم لذلك هابيل ورضي ، وأبى قابيل [ ص: 206 ] ذلك وكره ، تكرما عن أخت هابيل ، ورغب بأخته عن هابيل ، وقال : نحن ولادة الجنة ، وهما من ولادة الأرض ، وأنا أحق بأختي! ويقول بعض أهل العلم بالكتاب الأول : كانت أخت قابيل من أحسن الناس ، فضن بها عن أخيه وأرادها لنفسه . فالله أعلم أي ذلك كان فقال له أبوه : يا بني إنها لا تحل لك! فأبى قابيل أن يقبل ذلك من قول أبيه ، فقال له أبوه : يا بني فقرب قربانا ، ويقرب أخوك هابيل قربانا ، فأيكما قبل الله قربانه فهو أحق بها . وكان قابيل على بذر الأرض ، وكان هابيل على رعاية الماشية ، فقرب قابيل قمحا وقرب هابيل أبكارا من أبكار غنمه وبعضهم يقول : قرب بقرة فأرسل الله جل وعز نارا بيضاء فأكلت قربان هابيل ، وتركت قربان قابيل ، وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله .

11715 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي فيما ذكر ، عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة ، عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : وكان لا يولد لآدم مولود إلا ولد معه جارية ، فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر ، ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر . حتى ولد له ابنان يقال لهما : قابيل ، وهابيل . وكان قابيل صاحب زرع ، وكان [ ص: 207 ] هابيل صاحب ضرع . وكان قابيل أكبرهما ، وكان له أخت أحسن من أخت هابيل . وإن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل ، فأبى عليه وقال : هي أختي ، ولدت معي ، وهي أحسن من أختك ، وأنا أحق أن أتزوجها! فأمره أبوه أن يزوجها هابيل ، فأبى . وإنهما قربا قربانا إلى الله أيهما أحق بالجارية ، كان آدم يومئذ قد غاب عنهما إلى مكة ينظر إليها ، قال الله عز ذكره لآدم : يا آدم ، هل تعلم أن لي بيتا في الأرض؟ قال : اللهم لا! قال : فإن لي بيتا بمكة فأته . فقال آدم للسماء : "احفظي ولدي بالأمانة" ، فأبت . وقال للأرض ، فأبت . وقال للجبال فأبت . وقال لقابيل ، فقال : نعم ، تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرك . فلما انطلق آدم ، قربا قربانا ، وكان قابيل يفخر عليه فقال : أنا أحق بها منك ، هي أختي ، وأنا أكبر منك ، وأنا وصي والدي! فلما قربا ، قرب هابيل جذعة سمينة ، وقرب قابيل حزمة سنبل ، فوجد فيها سنبلة عظيمة ، ففركها فأكلها . فنزلت النار فأكلت قربان هابيل ، وتركت قربان قابيل ، فغضب وقال : لأقتلنك حتى لا تنكح أختي! فقال هابيل : إنما يتقبل الله من المتقين .

11716 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق " ، ذكر لنا أنهما هابيل ، وقابيل . فأما هابيل ، فكان صاحب ماشية ، فعمد إلى خير ماشيته فتقرب بها ، فنزلت عليه نار فأكلته ، وكان القربان إذا تقبل منهم ، نزلت عليه نار فأكلته . وإذا رد عليهم أكلته الطير والسباع وأما قابيل ، فكان صاحب زرع ، فعمد إلى أردإ زرعه فتقرب به ، فلم تنزل عليه النار ، فحسد أخاه عند ذلك فقال : لأقتلنك! قال : إنما يتقبل الله من المتقين .

11717 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا [ ص: 208 ] معمر ، عن قتادة في قوله : " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق " ، قال : هما هابيل ، وقابيل ، قال : كان أحدهما صاحب زرع ، والآخر صاحب ماشية ، فجاء أحدهما بخير ماله ، وجاء الآخر بشر ماله . فجاءت النار فأكلت قربان أحدهما ، وهو هابيل ، وتركت قربان الآخر ، فحسده فقال : لأقتلنك!

11718 - حدثنا سفيان قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : " إذ قربا قربانا " ، قال : قرب هذا زرعا ، وذا عناقا ، فتركت النار الزرع وأكلت العناق .

وقال آخرون : اللذان قربا قربانا ، وقص الله عز ذكره قصصهما في هذه الآية : رجلان من بني إسرائيل ، لا من ولد آدم لصلبه .

ذكر من قال ذلك :

11719 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن قال : كان الرجلان اللذان في القرآن ، اللذان قال الله : " واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق " ، من بني إسرائيل ، ولم يكونا ابني آدم لصلبه ، وإنما كان القربان في بني إسرائيل ، وكان آدم أول من مات .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب أن اللذين قربا القربان كانا ابني آدم لصلبه ، لا من ذريته من بني إسرائيل . وذلك أن الله عز وجل يتعالى عن أن يخاطب عباده بما لا يفيدهم به فائدة ، والمخاطبون بهذه الآية كانوا عالمين أن تقريب القربان لله لم يكن إلا في ولد آدم ، دون الملائكة والشياطين [ ص: 209 ] وسائر الخلق غيرهم . فإذ كان معلوما ذلك عندهم ، فمعقول أنه لو لم يكن معنيا ب"ابني آدم" اللذين ذكرهما الله في كتابه ابناه لصلبه لم يفدهم بذكره جل جلاله إياهما فائدة لم تكن عندهم . وإذ كان غير جائز أن يخاطبهم خطابا لا يفيدهم به معنى ، فمعلوم أنه عنى ب"ابني آدم" ، [ ابني آدم لصلبه ] ، لا بني بنيه الذين بعد منه نسبهم ، مع إجماع أهل الأخبار والسير والعلم بالتأويل على أنهما كانا ابني آدم لصلبه ، وفي عهد آدم وزمانه ، وكفى بذلك شاهدا .

وقد ذكرنا كثيرا ممن نص عنه القول بذلك ، وسنذكر كثيرا ممن لم يذكر إن شاء الله .

11720 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : حدثنا حسام بن المصك ، عن عمار الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد قال : لما قتل ابن آدم أخاه مكث آدم مائة سنة حزينا لا يضحك ، ثم أتي فقيل له : حياك الله وبياك! فقال : "بياك" ، أضحكك .

11721 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي إسحاق الهمداني قال : قال علي بن أبي طالب رضوان الله عليه : لما قتل ابن آدم أخاه بكى آدم ، فقال :


تغيرت البلاد ومن عليها فلون الأرض مغبر قبيح     تغير كل ذي لون وطعم
وقل بشاشة الوجه المليح

[ ص: 210 ]

فأجيب آدم عليه السلام :


أبا هابيل قد قتلا جميعا     وصار الحي كالميت الذبيح
وجاء بشرة قد كان منها     على خوف فجاء بها يصيح



قال أبو جعفر : وأما القول في تقريبهما ما قربا ، فإن الصواب فيه من القول أن يقال : إن الله عز ذكره أخبر عباده عنهما أنهما قد قربا ، ولم يخبر أن تقريبهما ما قربا كان عن أمر الله إياهما به ، ولا عن غير أمره . وجائز أن يكون كان عن أمر الله إياهما بذلك وجائز أن يكون عن غير أمره . غير أنه أي ذلك كان ، فلم يقربا ذلك إلا طلب قربة إلى الله إن شاء الله .

وأما تأويل قوله : "قال لأقتلنك" ، فإن معناه : قال الذي لم يتقبل منه قربانه ، للذي تقبل منه قربانه : "لأقتلنك" ، فترك ذكر "المتقبل قربانه" ، و"المردود عليه قربانه" استغناء بما قد جرى من ذكرهما عن إعادته . وكذلك ترك ذكر "المتقبل قربانه" مع قوله : " قال إنما يتقبل الله من المتقين " .

وبنحو ما قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عباس .

11722 - حدثنا محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "قال لأقتلنك" ، فقال له أخوه : ما ذنبي؟ إنما يتقبل الله من المتقين . [ ص: 211 ]

11723 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " إنما يتقبل الله من المتقين " ، قال يقول : إنك لو اتقيت الله في قربانك تقبل منك ، جئت بقربان مغشوش بأشر ما عندك ، وجئت أنا بقربان طيب بخير ما عندي . قال : وكان قال : يتقبل الله منك ولا يتقبل مني!

ويعني بقوله : "من المتقين" ، من الذين اتقوا الله وخافوه بأداء ما كلفهم من فرائضه ، واجتناب ما نهاهم عنه من معصيته .

وقد قال جماعة من أهل التأويل : "المتقون" في هذا الموضع الذين اتقوا الشرك .

ذكر من قال ذلك :

11724 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك قوله : " إنما يتقبل الله من المتقين " ، الذين يتقون الشرك .

وقد بينا معنى "القربان" فيما مضى وأنه "الفعلان" من قول القائل : "قرب" ، كما "الفرقان" "الفعلان" من "فرق" ، و"العدوان" من "عدا" .

وكانت قرابين الأمم الماضية قبل أمتنا كالصدقات ، والزكوات فينا غير أن قرابينهم كان يعلم المتقبل منها وغير المتقبل فيما ذكر بأكل النار ما تقبل منها ، وترك النار ما لم يتقبل منها . و"القربان" في أمتنا الأعمال الصالحة من الصلاة ، والصيام ، والصدقة على أهل المسكنة ، وأداء الزكاة المفروضة . ولا سبيل [ ص: 212 ] لها إلى العلم في عاجل بالمتقبل منها والمردود .

وقد ذكر عن عامر بن عبد الله العنبري ، أنه حين حضرته الوفاة بكى ، فقيل له : ما يبكيك؟ فقد كنت وكنت! فقال : يبكيني أني أسمع الله يقول : " إنما يتقبل الله من المتقين " .

11725 - حدثني بذلك محمد بن عمر المقدمي قال : حدثني سعيد بن عامر ، عن همام ، عمن ذكره ، عن عامر .

وقد قال بعضهم : قربان المتقين الصلاة .

11726 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن عمران بن سليمان ، عن عدي بن ثابت قال : كان قربان المتقين الصلاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية