الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ( 163 ) )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح " ، إنا أرسلنا إليك ، يا محمد ، بالنبوة كما أرسلنا إلى نوح ، وإلى سائر الأنبياء الذين سميتهم لك من بعده ، والذين لم أسمهم لك ، كما : - [ ص: 400 ]

10839 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن منذر الثوري ، عن الربيع بن خثيم في قوله : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " ، قال : أوحى إليه كما أوحى إلى جميع النبيين من قبله .

وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن بعض اليهود لما فضحهم الله بالآيات التي أنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك من قوله : " يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " فتلا ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : "ما أنزل الله على بشر من شيء بعد موسى "! فأنزل الله هذه الآيات ، تكذيبا لهم ، وأخبر نبيه والمؤمنين به أنه قد أنزل عليه بعد موسى وعلى من سماهم في هذه الآية ، وعلى آخرين لم يسمهم ، كما : -

10840 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال سكين وعدي بن زيد : يا محمد ، ما نعلم الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى ! فأنزل الله في ذلك من قولهما : " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " إلى آخر الآيات .

[ ص: 401 ] وقال آخرون : بل قالوا لما أنزل الله الآيات التي قبل هذه في ذكرهم : "ما أنزل الله على بشر من شيء ، ولا على موسى ، ولا على عيسى "! فأنزل الله جل ثناؤه : ( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) ، [ سورة الأنعام : 91 ] ، ولا على موسى ولا على عيسى .

ذكر من قال ذلك :

10841 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي قال : أنزل الله : " يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء " إلى قوله : " وقولهم على مريم بهتانا عظيما " ، فلما تلاها عليهم يعني : على اليهود وأخبرهم بأعمالهم الخبيثة ، جحدوا كل ما أنزل الله ، وقالوا : "ما أنزل الله على بشر من شيء ، ولا على موسى ولا على عيسى !! وما أنزل الله على نبي من شيء"! قال : فحل حبوته وقال : ولا على أحد !! فأنزل الله جل ثناؤه : ( وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء ) [ سورة الأنعام : 91 ]

وأما قوله : " وآتينا داود زبورا " ، فإن القرأة اختلفت في قراءته .

فقرأته عامة قرأة أمصار الإسلام ، غير نفر من قرأة الكوفة : ( وآتينا داود زبورا ) ، بفتح"الزاي" على التوحيد ، بمعنى : وآتينا داود الكتاب المسمى"زبورا" .

وقرأ ذلك بعض قرأة الكوفيين : ( وآتينا داود زبورا ) ، بضم"الزاي" جمع"زبر" .

كأنهم وجهوا تأويله : وآتينا داود كتبا وصحفا مزبورة .

[ ص: 402 ]

من قولهم : "زبرت الكتاب أزبره زبرا" و"ذبرته أذبره ذبرا" ، إذا كتبته .

قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندنا ، قراءة من قرأ : ( وآتينا داود زبورا ) ، بفتح"الزاي" ، على أنه اسم الكتاب الذي أوتيه داود ، كما سمى الكتاب الذي أوتيه موسى "التوراة" ، والذي أوتيه عيسى "الإنجيل" ، والذي أوتيه محمد "الفرقان" ، لأن ذلك هو الاسم المعروف به ما أوتي داود . وإنما تقول العرب : "زبور داود " ، بذلك تعرف كتابه سائر الأمم .

التالي السابق


الخدمات العلمية