الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ( 13 ) ) [ ص: 365 ]

يقول - تعالى ذكره - : يعمل الجن لسليمان ما يشاء من محاريب وهي جمع محراب ، والمحراب : مقدم كل مسجد وبيت ومصلى ، ومنه قول عدي بن زيد :


كدمى العاج في المحاريب أو كال بيض في الروض زهره مستنير



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( ما يشاء من محاريب ) قال : بنيان دون القصور .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( يعملون له ما يشاء من محاريب ) وقصور ، ومساجد .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( يعملون له ما يشاء من محاريب ) قال : المحاريب : المساكن ، وقرأ قول الله ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ) .

حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي قال : ثنا مروان بن معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك ( يعملون له ما يشاء من محاريب ) قال : المحاريب : المساجد .

وقوله ( وتماثيل ) يعني أنهم يعملون له تماثيل من نحاس وزجاج .

كما حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وتماثيل ) قال : من نحاس .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وتماثيل ) قال : من [ ص: 366 ] زجاج وشبهه .

حدثنا عمرو بن عبد الحميد قال : ثنا مروان ، عن جويبر ، عن الضحاك في قول الله ( وتماثيل ) قال : الصور .

قوله ( وجفان كالجواب ) يقول : وينحتون له ما يشاء من جفان كالجواب ، وهي جمع جابية والجابية : الحوض الذي يجبى فيه الماء ، كما قال الأعشى ميمون بن قيس :


تروح على نادي المحلق جفنة     كجابية الشيخ العراقي تفهق



وكما قال الآخر :


فصبحت جابية صهارجا     كأنها جلد السماء خارجا



[ ص: 367 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( وجفان كالجواب ) يقول : كالجوبة من الأرض .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( وجفان كالجواب ) يعني بالجواب : الحياض .

وحدثني يعقوب قال : ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، ( وجفان كالجواب ) قال : كالحياض .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( وجفان كالجواب ) قال : حياض الإبل .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وجفان كالجواب ) قال : جفان كجوبة الأرض من العظم ، والجوبة من الأرض : يستنقع فيها الماء .

حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ يقول أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وجفان كالجواب ) كالحياض .

حدثنا عمرو قال : ثنا مروان بن معاوية قال : ثنا جويبر ، عن الضحاك ( وجفان كالجواب ) قال : كحياض الإبل من العظم .

وقوله ( وقدور راسيات ) يقول : وقدور ثابتات لا يحركن عن أماكنهن ، ولا تحول لعظمهن .

[ ص: 368 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( وقدور راسيات ) قال : عظام .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، ( وقدور راسيات ) قال : عظام ثابتات الأرض لا يزلن عن أمكنتهن .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( وقدور راسيات ) قال : مثال الجبال من عظمها ، يعمل فيها الطعام من الكبر والعظم ، لا تحرك ولا تنقل ، كما قال للجبال : راسيات .

وقوله ( اعملوا آل داود شكرا ) يقول - تعالى ذكره - : وقلنا لهم اعملوا بطاعة الله يا آل داود شكرا له على ما أنعم عليكم من النعم التي خصكم بها عن سائر خلقه مع الشكر له على سائر نعمه التي عمكم بها مع سائر خلقه ، وترك ذكر : " وقلنا لهم " اكتفاء بدلالة الكلام على ما ترك منه ، وأخرج قوله ( شكرا ) مصدرا من قوله ( اعملوا آل داود ) لأن معنى قوله ( اعملوا ) اشكروا ربكم بطاعتكم إياه ، وأن العمل بالذي رضي الله لله شكر .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا يحيى بن واضح قال : ثنا موسى بن عبادة ، عن محمد بن كعب قوله ( اعملوا آل داود شكرا ) قال : الشكر تقوى الله والعمل بطاعته .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : أخبرني [ ص: 369 ] حيوة عن زهرة بن معبد أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول : ( اعملوا آل داود شكرا ) وأفضل الشكر الحمد .

قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( اعملوا آل داود شكرا ) قال : أعطاكم ، وعلمكم ، وسخر لكم ما لم يسخر لغيركم ، وعلمكم منطق الطير ، اشكروا له يا آل داود قال : الحمد طرف من الشكر .

وقوله ( وقليل من عبادي الشكور ) يقول - تعالى ذكره - : وقليل من عبادي المخلصو توحيدي ، والمفردو طاعتي وشكري على نعمتي عليهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( وقليل من عبادي الشكور ) يقول : قليل من عبادي الموحدون توحيدهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية