الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم ( 12 ) )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : من بعد وصية يوصي بها ، أي : هذا الذي فرضت لأخي الميت الموروث كلالة وأخته أو إخوته وأخواته من ميراثه وتركته ، إنما هو لهم من بعد قضاء دين الميت الذي كان عليه يوم حدث به حدث الموت من تركته ، وبعد إنفاذ وصاياه الجائزة التي يوصي بها في حياته لمن أوصى له بها بعد وفاته ، كما :

8779 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : من بعد وصية يوصي بها أو دين ، والدين أحق ما بدئ به من جميع المال ، فيؤدى عن أمانة الميت ، ثم الوصية ، ثم يقسم أهل الميراث ميراثهم .

وأما قوله : غير مضار ، فإنه يعني تعالى ذكره : من بعد وصية يوصي بها ، غير مضار ورثته في ميراثهم عنه ، كما :

8780 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، [ ص: 65 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : غير مضار ، قال : في ميراث أهله .

8781 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : غير مضار ، قال : في ميراث أهله .

8782 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : غير مضار وصية من الله ، وإن الله تبارك وتعالى كره الضرار في الحياة وعند الموت ، ونهى عنه ، وقدم فيه ، فلا تصلح مضارة في حياة ولا موت .

8783 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال : حدثنا عبيدة بن حميد وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ابن علية جميعا ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في هذه الآية : غير مضار وصية من الله والله عليم حليم ، قال : الضرار في الوصية من الكبائر .

8784 - حدثنا ابن أبي الشوارب قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الضرار في الوصية من الكبائر .

8785 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مثله .

8786 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب قال : حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الحيف في الوصية من الكبائر .

8787 - حدثنا ابن المثنى قال : حدثنا ابن أبي عدي وعبد الأعلى قالا : حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الضرار والحيف في الوصية من الكبائر .

[ ص: 66 ] 8788 - حدثني موسى بن سهل الرملي قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم أبو النضر قال : حدثنا عمر بن المغيرة قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الضرار في الوصية من الكبائر " .

[ ص: 67 ] 8789 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو عمرو التيمي ، عن أبي الضحى قال : دخلت مع مسروق على مريض ، فإذا هو يوصي قال : فقال له مسروق : اعدل لا تضلل .

ونصبت غير مضار على الخروج من قوله : يوصى بها .

وأما قوله : " وصية " فإن نصبه من قوله : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ، وسائر ما أوصى به في الاثنين ، ثم قال : " وصية من الله " مصدرا من قوله : " يوصيكم " .

وقد قال بعض أهل العربية : ذلك منصوب من قوله : " فلكل واحد منهما السدس " " وصية من الله " وقال : هو مثل قولك : " لك درهمان نفقة إلى أهلك " .

قال أبو جعفر : والذي قلناه بالصواب أولى ، لأن الله - جل ثناؤه - افتتح ذكر قسمة المواريث في هاتين الآيتين بقوله : يوصيكم الله ، ثم ختم ذلك بقوله : وصية من الله ، أخبر أن جميع ذلك وصية منه به عباده ، فنصب قوله : " وصية " على المصدر من قوله : " يوصيكم " أولى من نصبه على التفسير من قوله : فلكل واحد منهما السدس ، لما ذكرنا .

[ ص: 68 ] ويعني بقوله تعالى ذكره : وصية من الله ، عهدا من الله إليكم فيما يجب لكم من ميراث من مات منكم " والله عليم " يقول : والله ذو علم بمصالح خلقه ومضارهم ، ومن يستحق أن يعطى من أقرباء من مات منكم وأنسبائه من ميراثه ، ومن يحرم ذلك منهم ، ومبلغ ما يستحق به كل من استحق منهم قسما ، وغير ذلك من أمور عباده ومصالحهم " حليم " يقول : ذو حلم على خلقه ، وذو أناة في تركه معاجلتهم بالعقوبة على ظلم بعضهم بعضا ، في إعطائهم الميراث لأهل الجلد والقوة من ولد الميت ، وأهل الغناء والبأس منهم ، دون أهل الضعف والعجز من صغار ولده وإناثهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية