الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون

[ ص: 197 ] خلق الإنسان من عجل أي ركب على العجلة فخلق عجولا ؛ كما قال الله تعالى : الله الذي خلقكم من ضعف أي خلق الإنسان ضعيفا . ويقال : خلق الإنسان من الشر أي شريرا إذا بالغت في وصفه به . ويقال : إنما أنت ذهاب ومجيء . أي ذاهب جائي . أي طبع الإنسان العجلة ، فيستعجل كثيرا من الأشياء وإن كانت مضرة . ثم قيل : المراد بالإنسان آدم - عليه السلام - . قال سعيد بن جبير والسدي : لما دخل الروح في عيني آدم - عليه السلام - نظر في ثمار الجنة ، فلما دخل جوفه اشتهى الطعام ، فوثب من قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة . فذلك قوله : خلق الإنسان من عجل . وقيل خلق آدم يوم الجمعة . في آخر النهار ، فلما أحيا الله رأسه استعجل ، وطلب تتميم نفخ الروح فيه قبل غروب الشمس ؛ قاله الكلبي ومجاهد وغيرهما . وقال أبو عبيدة وكثير من أهل المعاني : العجل الطين بلغة حمير . وأنشدوا :


[ والنبع في الصخرة الصماء منبته ] والنخل ينبت بين الماء والعجل



وقيل : المراد بالإنسان الناس كلهم . وقيل المراد : النضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد الدار في تفسير ابن عباس ؛ أي لا ينبغي لمن خلق من الطين الحقير أن يستهزئ بآيات الله ورسله . وقيل : إنه من المقلوب ؛ أي خلق العجل من الإنسان . وهو مذهب أبي عبيدة . النحاس : وهذا القول لا ينبغي أن يجاب به في كتاب الله ؛ لأن القلب إنما يقع في الشعر اضطرارا كما قال : [ الجعدي ] :


[ كانت فريضة ما تقول كما ]     كان الزناء فريضة الرجم



ونظيره هذه الآية : وكان الإنسان عجولا وقد مضى في ( سبحان ) . سأريكم آياتي فلا تستعجلون هذا يقوي القول الأول ، وأن طبع الإنسان العجلة ، وأنه خلق خلقا لا يتمالك ، كما قال - عليه السلام - حسب ما تقدم في ( سبحان ) . والمراد بالآيات ما دل على صدق محمد - عليه السلام - من المعجزات ، وما جعله له من العاقبة المحمودة . وقيل : ما طلبوه من العذاب ، فأرادوا الاستعجال وقالوا : متى هذا الوعد ؟ وما علموا أن لكل شيء [ ص: 198 ] أجلا مضروبا . نزلت في النضر بن الحارث . وقوله : إن كان هذا هو الحق . وقال الأخفش سعيد : معنى خلق الإنسان من عجل أي قيل له كن فكان ، فمعنى فلا تستعجلون على هذا القول أنه من يقول للشيء كن فيكون ، لا يعجزه إظهار ما استعجلوه من الآيات . ويقولون متى هذا الوعد أي الموعود ، كما يقال : الله رجاؤنا أي مرجونا . وقيل : معنى الوعد هنا الوعيد ، أي الذي يعدنا من العذاب . وقيل : القيامة . إن كنتم صادقين يا معشر المؤمنين .

قوله تعالى : لو يعلم الذين كفروا العلم هنا بمعنى المعرفة فلا يقتضي مفعولا ثانيا مثل لا تعلمونهم الله يعلمهم . وجواب لو محذوف ، أي لو علموا الوقت الذي حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون وعرفوه لما استعجلوا الوعيد . وقال الزجاج : أي لعلموا صدق الوعد . وقيل : المعنى لو علموه لما أقاموا على الكفر ولآمنوا . وقال الكسائي : هو تنبيه على تحقيق وقوع الساعة ، أي لو علموه علم يقين لعلموا أن الساعة آتية . ودل عليه بل تأتيهم بغتة أي فجأة يعني القيامة . وقيل : العقوبة . وقيل : النار فلا يتمكنون من حيلة فتبهتهم قال الجوهري : بهته بهتا أخذه بغتة ، قال الله تعالى : بل تأتيهم بغتة فتبهتهم وقال الفراء : فتبهتهم أي تحيرهم ، يقال : بهته يبهته إذا واجهه بشيء يحيره . وقيل : فتفجأهم . فلا يستطيعون ردها أي صرفها عن ظهورهم . ولا هم ينظرون أي لا يمهلون ويؤخرون لتوبة واعتذار .

التالي السابق


الخدمات العلمية