الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( المسألة الرابعة ) الفرق بين المعجزات في النبوات وبين السحر وغيره مما يتوهم أنه من خوارق العادات :

[ ص: 168 ] هذه مسألة عظيمة الوقع في الدين ، وأشكلت على جماعة من الأصوليين والتبست على كثير من الفضلاء المحصلين والفرق بينهما من ثلاثة أوجه فرق في نفس الأمر باعتبار الباطن وفرقان باعتبار الظاهر أما الفرق الواقع في نفس الأمر فهو أن السحر والطلمسات والسيمياء وهذه الأمور ليس فيها شيء خارق للعادة بل هي عادة جرت من الله بترتيب مسبباتها على أسبابها غير أن تلك الأسباب لم تحصل لكثير من الناس بل للقليل منهم كالعقاقير التي تعمل منها الكيمياء والحشائش التي يعمل منها النفط الذي يحرق الحصون والصخور ، والدهن الذي من ادهن به لم يقطع فيه حديد والسمندل والحيوان الذي لا تعدو عليه النار ، ولا يأوي إلا فيها هذه كلها ونحوها في العالم أمور غريبة قليلة الوقوع وإذا وجدت أسبابها وجدت على العادة فيها ، وكذلك إذا وجدت أسباب السحر الذي أجرى الله به العادة حصل وكذلك السيمياء وغيرها كلها جارية على أسباب عادية غير أن الذي يعرف تلك الأسباب قليل من الناس أما المعجزات فليس لها سبب في العادة أصلا فلا يجعل الله تعالى في العالم عقارا يفلق البحر أو يسير الجبال في الهوى ونحو ذلك فنحن نريد بالمعجزة ما خلق الله تعالى في العالم عند تحدي الأنبياء على هذا الوجه وهنا فرق عظيم .

غير أن الجاهل بالأمرين يقول ، وما يدريني أن هذا لا سبب له من جهة العادة فيقال له الفرقان الأخيران [ ص: 169 ] يذهبان عنك هذا اللبس :

الفرق الأول منهما : أن السحر وما يجري مجراه يختص بمن عمل له حتى أن أهل هذه الحرف إذا استدعاهم الملوك والأكابر ليبينوا لهم هذه الأمور على سبيل التفرج يطلبون منهم أن تكتب أسماء كل من يحضر ذلك المجلس فيصنعون صنعهم لمن يسمى لهم فإن حضر غيرهم لا يرى شيئا مما رآه الذين سموا أولا ، قال العلماء : وإليه الإشارة بقوله تعالى { ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين } ينظر إليها على الإطلاق ففارقت بذلك السحر والسيمياء ، وهذا فرق عظيم يظهر للعالم والجاهل .

الفرق الثاني من الفرقين : الظاهر من قرائن الأحوال المفيدة للعلم القطعي الضروري المحتفة بالأنبياء عليهم السلام المفقودة في حق غيرهم فنجد النبي عليه الصلاة والسلام أفضل الناس نشأة ومولدا ، ومزية وخلقا وخلقا وصدقا [ ص: 170 ] وأدبا ، وأمانة وزهادة ، وإشفاقا ورفقا وبعدا عن الدناءات والكذب والتمويه { الله أعلم حيث يجعل رسالته } ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا بحارا في العلوم على اختلاف أنواعها من الشرعيات والعقليات والحسابيات والسياسات والعلوم الباطنة والظاهرة حتى يروى أن عليا رضي الله عنه جلس عند ابن عباس رضي الله عنهما يتكلم في الباء من بسم الله من العشاء إلى أن طلع الفجر مع أنهم لم يدرسوا ورقة ، ولا قرءوا كتابا ، ولا تفرغوا من الجهاد وقتل الأعداء ومع ذلك فإنهم كانوا على هذه الحالة ببركته صلى الله عليه وسلم حتى قال بعض الأصوليين لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفوه في إثبات نبوته وكذلك ما علم من فرط صدقه الذي جزم به أولياؤه ، وأعداؤه ، وكان يسمى في صغره الأمين إلى غير ذلك مما هو مبسوط في موضعه فمن وقف على هذه القرائن وعرفها من صاحبها جزم بصدقه فيما يدعيه جزما قاطعا وجزم بأن هذه الدعوى حق ولذلك { لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بنبوته قال له الصديق صدقت } من غير احتياج إلى معجزة خارقة فنزل فيهما قوله تعالى { والذي جاء بالصدق وصدق به } أي محمد جاء بالصدق ، وأبو بكر صدق به فما من نبي إلا وله من هذه القرائن الحالية والمقالية العجائب والغرائب .

وأما الساحر فعلى العكس من ذلك كله لا تجده في موضع إلا ممقوتا حقيرا بين الناس ، وأصحابه [ ص: 171 ] وأتباعه وأتباع كل مبطل عديمين للطلاوة لا بهجة عليهم والنفوس تنفر منهم ، ولا فيهم من نوافل الخير والسعادة أثر فهذه فروق ثلاثة بين البابين وهي في غاية الظهور لا يبقى معها - ولله الحمد - لبس ولا شك لجاهل ، ولا عالم .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال ( المسألة الرابعة الفرق بين المعجزات وبين السحر وغيره مما يتوهم أنه من خوارق العادات إلخ ) :

قلت : إن كان يريد أن جميع ما يحدث عن السحر فهو معتاد ، وليس فيه ما هو خارق فليس ذلك بصحيح ، وأكثر الأشعرية أو جميعهم يجوزون خرق العوائد على يد الساحر [ ص: 168 ] إلا أن يقول بالجواز وعدم الوقوع فلا أدري من يعلم ذلك [ ص: 169 ] قال ( الفرق الأول منهما أن السحر ، وما يجري مجراه يختص بمن عمل له إلخ ) قلت : إنما يظهر ذلك لمن جربه وتكررت منه التجربة وقل من يجربه . قال : ( الفرق الثاني من الفرقين الظاهرين إلخ ) قلت : ما قاله في هذا الفرق صحيح وهو الفرق بين الولي والساحر وكما هو أعني الاتصاف بالصفات المحمودة دون المذمومة فرق بين الولي والساحر فهو فرق بين النبي وبينه ثم الفرق بين النبي والولي بالتحدي على مذهب من يمنع تحدي الولي بالولاية والتحدي بالنبوة على مذهب من يجيز تحدي الولي بالولاية وجميع ما قاله في الفرق الثالث والأربعين والمائتين إلى آخر الفرق الخامس والأربعين والمائتان صحيح .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

[ ص: 170 - 177 ] المقصد الثاني ) السحر على الجملة نوعان الأول ما هو غير خارق للعوائد والثاني ما هو خارق للعوائد قاله ابن الشاط والنوع الثاني هو ما عرفه المناوي على الجامع الصغير بقوله هو مزاولة النفس الخبيثة لأقوال وأفعال يترتب عليها أمور خارقة ا هـ .

وأشار بقوله مزاولة النفس الخبيثة إلى ما قاله الإمام فخر الدين بن الخطيب في كتابه الملخص السحر والعين لا يكونان من فاضل ، ولا يقعان ولا يصحان منه أبدا ؛ لأن من شرط السحر الجزم بصدور الأثر وكذلك أكثر الأعمال من شرطها الجزم والفاضل المتبحر في العلوم يرى وقوع ذلك من الممكنات التي يجوز أن توجد ، وأن لا توجد فلا يصح لفاضل أصلا [ ص: 194 ]

وأما العين فلا بد فيها من فرط التعظيم للمرئي ، والنفس الفاضلة لا تصل في تعظيم ما تراه إلى هذه الغاية فلذلك لا يصح السحر إلا من العجائز والتركمان أو السودان ونحو ذلك من النفوس الجاهلة . ا هـ . لكن قالابن الشاط وما قاله الفخر يتوقف على الاختبار والتجربة ، ولا نعلم صحة ذلك من سقمه ، قال وقول الشهاب في الفرق الواقع في نفس الأمر بين المعجزات في النبوات وبين السحر وأنواعه والطلسمات وغيرها من الحقائق ونحوها أن المعجزة ما خلق الله في العالم عند تحدي الأنبياء بلا سبب في العادة أصلا كفلق البحر وسير الجبال في الهواء فإن الله تعالى لم يجعل في العالم عقارا يفلق البحر أو يسير الجبال في الهواء ونحو ذلك .

وأما السحر ، وأنواعه والطلسمات ونحوها فهي ما خلق الله في العالم بأسباب في العادة تترتب عليها غير أن تلك الأسباب لم تحصل لكثير من الناس بل لقليل منهم فهي كالعقاقير التي تعمل منها الكيمياء أي نقل الشيء من حالة إلى حالة أعلى منها كتصيير النحاس ذهبا أو فضة إلا أنهما دون الخلقة الأصلية نعم ما كان فيه الكبريت الأحمر يكون ذهبه وفضته جيدا كالخلقة ، وقد رئي الكبريت الأحمر في تركة أيرم أبي زيد القيرواني وتركة أبي عمران الفاسي واستدل بذلك على جواز عمل الكيمياء إذا كان المعمول بها لا يتبدل ، ولا يتغير كما في شرح رشد الغافل للعلوي ، والحشائش التي يعمل منها النفط الذي يحرق الحصون والصخور ، والدهن الذي من ادهن به لم يقطع فيه حديد وكالسمندل الحيوان الذي لا تعدو عليه النار ، ولا يأوي إلا فيها ، ونحو ذلك من الأمور الغريبة قليلة الوقوع في العالم ، وإذا وجدت أسبابها وجدت على العادة فيها فليس فيها شيء خارق للعادة بل هي عادة جرت من الله بترتيب مسبباتها على أسبابها . ا هـ . مع زيادة إن كان يريد أن جميع ما يحدث عن السحر فهو معتاد ، وليس فيه ما هو خارق فليس ذلك بصحيح فإن أكثر الأشعرية أو جميعهم يجوزون خرق العادة على يد الساحر إلا أن يقول بالجواز وعدم الوقوع فلا أدري من يعلم ذلك ا هـ .

قلت : وهذا الخلاف بين الأصل وابن الشاط في أنه هل يجوز أن يكون منه خارق أو لا بل جميع ما يحدث عنه معتاد مبني على الخلاف المار في أنه هل يقع فيه ما ليس مقدورا للبشر كالمقدور لهم أو لا يقع فيه إلا ما هو مقدور لهم وعلى ما لابن الشاط فلا يصلح فارقا ما ذكر عنه أنه فرق واقع في نفس الأمر بل يتعين الفرقان الباقيان في كلامه اللذان قال أنهما باعتبار الظاهر لكن لا كما قال بل باعتبار نفس الأمر .

( الفرق الأول ) أن السحر ، وما يجري مجراه يختص بمن عمل له حتى أن أهل هذه الحرف إذا استدعاهم الملوك والأكابر ليبينوا لهم هذه الأمور على سبيل التفرج يطلبون منهم أن تكتب أسماء كل من يحضر ذلك المجلس فيصنعون صنعهم لمن يسمى لهم فإن حضر غيرهم لا يرى شيئا مما رآه الذين سموا أولا بخلاف المعجزة فإنها تظهر لمن عملت له ولغيره قال العلماء وإليه الإشارة بقوله تعالى { ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين } أي كل ناظر ينظر إليها على الإطلاق ا هـ .

قال ابن الشاط : وإنما يظهر ذلك لمن جربه وتكررت منه التجربة وقل من يجربه ا هـ . ( والفرق الثاني ) أن الظاهر من قرائن الأحوال المفيدة للعلم القطعي الضروري المحتفة بالأنبياء عليهم السلام مفقودة في حق غيرهم فتجد النبي عليه الصلاة والسلام أفضل الناس نشأة ، ومولدا ، ومزية وخلقا وخلقا وصدقا [ ص: 195 ] وأدبا ، وأمانة وزهادة وإشفاقا ورفقا وبعدا عن الدناءات والكذب والتمويه { الله أعلم حيث يجعل رسالته } ثم أصحابه يكونون في غاية العلم والنور والبركة والتقوى والديانة ألا ترى أن أصحاب رسول الله كانوا بحارا في العلوم على اختلاف أنواعها من الشرعيات والعقليات والحسابيات والسياسيات والعلوم الباطنة والظاهرة حتى يروى أن عليا رضي الله عنه جلس عند ابن عباس رضي الله عنهما يتكلم في الباء من بسم الله من العشاء إلى أن طلع الفجر مع أنهم لم يدرسوا ورقة ، ولا قرءوا كتابا ، ولا تفرغوا من الجهاد وقتل الأعداء ، وإنما كانوا على هذه الحالة ببركته صلى الله عليه وسلم حتى قال بعض الأصوليين لو لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم معجزة إلا أصحابه لكفوه في إثبات نبوته .

وكذلك ما علم من فرط صدقه الذي جزم به أولياؤه وأعداؤه وكان يسمى في صغره الأمين إلى غير ذلك مما هو مبسوط في موضعه فما من نبي إلا وله من هذه القرائن الحالية والمقالية العجائب والغرائب بحيث إن من وقف عليها وعرفها من صاحبها جزم بصدقه فيما يدعيه جزما قاطعا وجزم أن هذه الدعوى حق ولذلك { لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بنبوته قال له الصديق صدقت } من غير احتياج إلى معجزة خارقة فنزل فيهما قوله تعالى { والذي جاء بالصدق وصدق به } أي محمد جاء بالصدق ، وأبو بكر صدق به . وأما الساحر فعلى العكس من ذلك كله فلا تجده في موضع إلا ممقوتا حقيرا بين الناس ، ولا نجد أصحابه ، وأتباعه ، وأتباع كل مبطل إلا عديمين الطلاوة لا بهجة عليهم بحيث تنفر النفوس منهم ، ولا فيهم من نوافل الخير والسعادة أثر ا هـ .

قال ابن الشاط : وما قاله في هذا الفرق صحيح وهو الفرق بين الولي والساحر فكما أن الاتصاف بالصفات المحمودة دون المذمومة فرق بين النبي والساحر كذلك هو الفرق بين الولي وبينه ثم الفرق بين النبي والولي بالتحدي مبني على مذهب من يمنع تحدي الولي بالولاية ، وأما على مذهب من يجيز تحدي الولي بالولاية فيفرق النبي من الولي بالتحدي بالنبوة ا هـ .

وقال العلقمي كما في العزيزي على الجامع الصغير والفرق أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد ، والكرامة لا تحتاج لذلك بل إنما تقع غالبا اتفاقا ، وأما المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي أي دعوى الرسالة ا هـ ، والله سبحانه وتعالى أعلم .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( المقصد الثالث ) السحر لما كان اسم جنس عبارة عن اعتقاد ولا يكون إلا كفرا ، أو قول أو فعل ويكونان تارة كفرا وتارة غير كفر وعما هو خارق للعوائد وغير خارق كما علم مما تقدم عن الأصل وابن الشاط وكانت أنواعه الأربعة المتقدمة والحقائق الخمسة الأخر التي هي من علوم الشر وهي الخواص المنسوبة للنفوس والأوفاق والطلسمات والعزائم والاستخدامات كلها تجري مجراه فيما ذكر تحقق التباسه بهذه الحقائق التسع وافتقرت هذه الحقائق إلى أن تميز عنه إما ببيان الخصوص مطلقا وقد علم مما مر في السيمياء ، والهيمياء من أنواعه الأربعة ، وإما ببيان الخصوص من جهة كما في النوعين الباقيين من أنواعه والحقائق الخمسة الأخر المذكورة ، وهو يفتقر إلى سبعة وصول لبيان الحقائق السبع المذكورة .

( الوصل الأول ) الخواص المنسوبة للحقائق أي الذوات من الحيوانات وغيرها أسرار عظيمة وكثيرة أودعها الله تعالى في أجزاء العالم حتى لا يكاد يعرى شيء عن خاصيته فلا يدخلها فعل البشر بل هي ثابتة كاملة مستقلة بقدرة الله تعالى منها ما هو معلوم على الإطلاق كإرواء الماء وإحراق النار ، ومنها ما هو مجهول على الإطلاق ومنها ما يعلمه الأفراد من الناس وهذه إما مغيرة لأحوال النفوس وهي التي قدمنا [ ص: 196 ] أنها نوع من أنواع السحر ، وإما مختصة بانفعالات الأمزجة صحة أو سقما كالأغذية والأدوية من الجماد والنبات والحيوان المسطورة في كتب الأطباء والعشابين والطبائعيين وهذه من علم الطب لا من علم السحر قاله الأصل ، وسلمه ابن الشاط .

( الوصل الثاني ) الرقى ألفاظ خاصة يحدث عندها الشفاء من الأسقام والأدواء والأسباب المهلكة ، وهذه الألفاظ منها ما هو مشروع كالفاتحة والمعوذتين وكقوله تعالى { ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها } تقرأ سبع مرات عند دخول محل لقضاء حاجة ما وكقوله تعالى { ولما سكت عن موسى الغضب } إلى { يرهبون } سبع مرات لتعطيف القلوب وتسكين غضب الملوك ، ومنها ما هو غير مشروع كرقى الجاهلية والهند وغيرهم ؛ لأنه ربما كان كفرا أو محرما ولذلك نهى مالك وغيره عن الرقى بالعجمية وغير المشروع قد يحدث ضررا فيقال له السحر ، ولا يقال لفظ الرقى عليه كما تقدم قال الأصل : وقد نهى علماء العصر عن الرقية التي تكتب في آخر جمعة من شهر رمضان لما فيها من اللفظ الأعجمي ؛ ولأنهم يشتغلون بها عن الخطبة ويحصل بها مع ذلك مفاسد ا هـ .

وفي الاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي وإن كان أصل الدعاء والأذكار غير مشروع كالتي يزعم العلماء أنها مبنية على علم الحروف ، وهو الذي اعتنى به البوني وغيره ممن حذا حذوه أو قاربه فهي بدعة حقيقة مركبة فإن ذلك العلم فلسفة ألطف من فلسفة معلمهم الأول وهو أرسطو طاليس فردوها إلى أوضاع الحروف وجعلوها هي الحاكمة في العالم وربما أشاروا عند العمل بمقتضى تلك الأذكار .

وما قصد بها إلى تحري الأوقات والأحوال الملائمة لطبائع الكواكب ليحصل التأثير عندهم وحيا فحكموا العقول والطبائع كما ترى وتوجهوا شطرها ، وأعرضوا عن رب العقل والطبائع ، وإن ظنوا أنهم يقصدونه اعتقادا في استدلالهم بصحة ما انتحلوا على وقوع الأمر وفق ما يقصدونه فإذا توجهوا بالذكر والدعاء المفروض على الفرض المطلوب حصل سواء عليهم أنفعا كان أم ضرا وخيرا كان أم شرا ويبنون على ذلك اعتقاد بلوغ النهاية في إجابة الدعاء أو حصول نوع من كرامات الأولياء ، كلا ليس طريق ذلك التأثير من مرادهم ، ولا كرامات الأولياء من نتائج أورادهم فلا تلاقي بين الأرض والسماء ، ولا مناسبة بين النار والماء وحصول التأثير حسبما قصدوا هو في الأصل من قبيل الفتنة التي اقتضاها في الخلق { ذلك تقدير العزيز العليم } فالنظر إلى وضع الأسباب والمسببات أحكام وضعها الباري تعالى في النفوس يظهر عندها ما شاء الله من التأثيرات على نحو ما يظهر على المعيون عند الإصابة ، وعلى المسحور عند عمل السحر بل هو بالسحر أشبه لاستمدادها من أصل واحد وشاهده ما جاء في الحديث الصحيح الذي خرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم { إن الله يقول أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا دعاني } وفي بعض الروايات { أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء } وشرح هذه المعاني لا يليق بما نحن فيه ا هـ .

( الوصل الثالث ) خواص النفوس بمعنى مقتضى الأمزجة والطبائع نوع خاص من الخواص المودعة في العالم فالحيوانات لا تكاد تتفق طبائعها بل نقطع بأنه ، ولو عظم شبه فرد منها بفرد آخر لا بد من فرق بينهما ، وذلك أن التباين لما حصل في الصفات على الإطلاق وجب حصوله في الأمزجة على الإطلاق ألا ترى أن نفسا من الأناسي طبعت على الشجاعة إلى الغاية ونفسا على الجبن إلى الغاية ونفسا على الشر إلى [ ص: 197 ] الغاية ونفسا على الخير إلى الغاية ونفسا يهلك ما عظمته ، وهو المسمى بالعين ، وليس كل أحد يؤذي بالعين ، وأحوال من يؤذي بها مختلفة فمنهم من يصيد الطير في الهوى ويقلع الشجر العظيم من القرى ، ومنهم من لا يصل بها إلا إلى التمريض اللطيف ونحوه ونفسا على صحة الحزر بحيث لا يخطئ الغيب عند شيء مخصوص ، ولا يتأتى له ذلك في غيره فلذلك تجد بعضهم لا يخطئ في علم الرمل أبدا وآخر لا يخطئ في أحكام النجوم أبدا وآخر لا يخطئ في علم الكف أبدا وآخر لا يخطئ في علم السير أبدا ؛ لأن نفسه طبعت على ذلك ولم تطبع على غيره فمن توجهت نفسه لطلب الغيب عند ذلك الفعل الخاص أدركته بخاصيتها فقط ، لا لأن النجوم فيها شيء ، ولا الكتف ، ولا الرمل ، ولا بقيتها بل هي خواص نفوس فقط . ألا ترى أن بعضهم يجد صحة أعماله في ذلك وهو شاب فإذا صار كبيرا فقدها ؛ لأن القوة نقصت عن تلك الحدة التي كانت في الشبوبية ، وقد ذهبت .

قلت : ثم إن خواص النفوس على قياس ما تقدم في خواص الحقائق منها ما هو معروف على الإطلاق كخواص النفوس المذكورة ، ومنها ما هو مجهول على الإطلاق ومنها ما يعلمه من الناس الأفراد قال الأصل كجماعة في الهند إذا وجهوا أنفسهم لقتل شخص انتزعوا قلبه من صدره بالهمة والعزم وقوة النفس فإذا مات وشق صدره لا يوجد فيه قلبه ويجربون بالرمان فيجمعون عليه هممهم فلا توجد فيه حبة . ا هـ . ومن حيث إن هذا لا يعلمه إلا الأفراد من الناس قال ابن الشاط ، وما حكاه عن الهند لا أدري صحته من سقمه ا هـ .

قال الشيخ عبد الله العلوي الشنقيطي في شرحه على نظمه رشد الغافل : إن مص دماء القلب أو نزع القلب نفسه منه ما يكون عن طبع كما هو من جماعة في الهند إذا وجه أحدهم نفسه لقتل شخص انتزع قلبه من صدره بالهمة والعزم إلى آخر ما قاله الأصل وحكاه عن ابن زكري في شرح النصيحة قال : والغالب حصول المص المذكور والنزع عن كسب وهذا كثير في السودان سواء ولد في أرضهم أو في أرضنا ، وقال قبل : وبعض الناس يسمي المص المذكور والنزع بسغنيا بضم السين المهملة وضم الغين المعجمة ونون ساكنة ، ومثناة تحتية مفتوحة وبعضهم يسميه بالسلالة بفتح السين وتشديد اللام الأولى فألف فلام مخففة فهاء تأنيث ا هـ وسيأتي في وصل الأوفاق ما قاله في شفاء من فعل به ذلك فترقب .

قلت : وهذا النوع ونحوه من خواص النفوس هو الذي يلتبس به السحر كما لا يخفى قال الأصل وتبعه ابن زكري في شرح النصيحة : وخواص النفوس كثيرة لا تعد ولا تحصى ، وإلى تباين الأخلاق والخلق والسجايا والقوى كما أن المعادن كذلك الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام { الناس معادن كمعادن الذهب والفضة } ا هـ قال ابن الشاط ، وما قاله من أن في الحديث الإشارة إلى ما ذكره هو الظاهر منه ، ويحتمل غير ذلك ، والله تعالى أعلم ا هـ .

( الوصل الرابع ) الأوفاق وتسمى علم الأشكال وعلم الجداول وتسمى الأشكال والجداول بالمثلث والمربع والمخمس ونحوها أي كمسبع السلالة الآتي وهي من الباطل إذا قصد بها إضرار أو نفع من لا يستحق ذلك شرعا مع ما في ذلك من الجرأة على أسماء الله تعالى والتصرف فيها لأغراض دنيوية ولهذا يقول بعضهم بابن البوني ، وأشكاله أما إذا أريد بها غرض لا اعتراض للشرع عليه فلا بأس به كمثلث الغزالي أي مملوء الوسط لتيسير العسير ، وإخراج المسجون ، وإيضاع الجنين من الحامل وتيسير الوضع ، وكل ما هو من هذا المعنى ونسب للغزالي ؛ لأنه كان يعتني به كثيرا ، وإلا فقد قال بعضهم : إن هذا المثلث بصورته الآتية يسمى بخاتم أبي سعيد [ ص: 198 ] ا هـ . وكمسبع السلالة الآتي لكنهم ينهون عنها ألبتة سدا للذريعة كما في شرح سيدي عبد الله العلوي على نظمه رشد الغافل بتصرف وزيادة ، قال الأصل : والأوفاق ترجع إلى مناسبات الأعداد وجعلها على شكل مخصوص . ا هـ . قال ابن الشاط تسامح في قوله أنها ترجع إلخ فإنها ليست كذلك بل هي راجعة إلى المساواة بحسب جمع ما في كل سطر من بيوت مربعاتها وجميع ما في البيوت الواقعة على القطر . ا هـ . والشكل المخصوص إما مثلث كمثلث بدوح يكتب إذا أريد جلب خير في كاغد أو رق غزال هكذا ، ومثلث أجهز يكتب إذا أريد دفع شر في كاغد أو رق غزال هكذا ثم يعلق في العنق وكمثلث الكلمتين المذكورتين يكتب إذا أريد كل من جلب الخير ودفع الشر ويرقم في خاناته إما حروف الكلمتين هكذا ، وإما أعداد كل حرف منهما بحساب الجمل الكبير هكذا .

وضابطه على اصطلاحهم أنك لو جمعت الحروف المفردة في كل خانة من الخانات الثلاث من أي جهة أفقية أو عمودية أو مستطيلة يكون مجموعها واحدا وهو عدد ( 15 ) ، وأن تكون الأرقام المكتوبة في الأركان الأربعة من الخاتم زوجية وتسمى مزدوجات المثلث والأرقام المكتوبة في الخانات الأخرى فردية وتسمى مفردات المثلث قاله بعضهم والخاتم المرقوم في خاناته كل من حروف الكلمتين أو أعدادها هو خاتم أبي حامد الغزالي مملوء الوسط . قلت : وذكر لي بعض الأفاضل أن للغزالي مثلثا أيضا خالي الوسط وبين لي كيفية وضعه ، وما يبدأ به من خاناته ، وما يليه ، وما يختم به برقم واحد على ما يبدأ به واثنين على ما يليه وهكذا إلى ثمانية ، وأن صورته هكذا وضابطه أنك لو جمعت أعداد الخانات العمودية أو المستطيلة أو الخانتين الأفقية لكان مجموع كل من الخانات والخانتين الأفقية واحدا وهو عدد ( 66 ) وإنك تكتب في وسطه الخالي حاجتك التي تريد قضاءها وتبتدئ بعدد ( 31 ) وتختم بعدد ( 35 ) فافهم .

وإما مربع كمربع بدوح الذي ذكره البوني في شمس المعارف الكبرى ، وأنه يكتب في رق طاهر ويعلق على الشخص لتيسير الفهم والحفظ والحكمة ولتعظيم القدر عند الناس وفي العالم العلوي والسفلي وعلى المسجون لإطلاقه من السجن سريعا وعلى الراية لهزم الأعداء من الكفرة والباغين ، وما في معنى ذلك بإذن الله تعالى ، وأنه إما أن يرقم بالأعداد هكذا ، وإما أن يوضع محل الأعداد حروف هكذا وذكر لكتابته شروطا ، وإما مخمس ، وإما مسدس ، وإما مسبع كمسبع السلالة الذي ذكر الشيخ عبد الله العلوي في شرحه على نظمه رشد الغافل أنه يكتب لشفاء من فعل به مص الدم أو نزع القلب المسمى بالسلالة هذه الآيات والجدول المسبع بعدها في ورقتين إحداهما تجعل على [ ص: 199 ] النار وتبخر له والأخرى تعلق عليه وصورة كتابة الآيات والجدول هكذا { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا } ، { هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون } ، { كما يئس الكفار من أصحاب القبور } وقد نظم بعضهم ضبطه بقوله :

وإن ترد لجدول السلالة فخذه بالنظم وع المقالة مجدول مسبع بعد الآيات
معمر بذي الحروف بالثبات فج شث ظخز بصدر أول
وابدأ بثانيها واختم بأول وانح لذاك النحو حتى تنتهي
بيوته فخذ لذا النظم الشهي

.

قال الأصل وللأوفاق كتب موضوعة لتعريف كيف توضع حتى تصبر على هذه النسبة من الاستواء ، وهي كلما كثرت كان وضعها أعسر ، والضوابط الموضوعة لها حسنة نفيسة لا تتخرم إذا عرفت أعني في صورة الوضع ، وأما ما ينسب إليها من الآثار فقليلة الوقوع أو عديمته ا هـ .

وقال ابن الشاط ما قاله صحيح وتبعه ابن زكري في شرح النصيحة وكذا الشيخ عبد الله العلوي في شرحه على نظمه رشد الغافل إلا أنه قال بعد ولشفاء من فعل به المص للدم والنزع للقلب المسمى بالسلالة تكتب هذه الآيات والجدول بعدها إلخ وللمعاصر الفاضل الشيخ محمد حبيب الله من أبيات نظمها في مسبع السلالة قوله :

هذا سبع لسحر دافع ، وأنه في بابه لنافع
يعرف عند علماء السر مسبع السل مفيد الضر
وهو مجرب فقد جربته ونفعه إذ ذاك قد وجدته
وكيف لا وهو كلام طيب والعلما في أخذه قد رغبوا
وفيه أسماء لمولانا علا يحصل نفعها لمن ذا استعملا
ونفعه اشتهر في بلادي وطننا من حاضر وبادي
وهو مضاف لكلام الله في خمس آيات على تناهي
تناسب الدفع لكل شر لا سيما إن كان شر السحر

.

وأفادني أن شيخ أشياخه سيدي محمد الخليفة ابن الشيخ سيدي المختار الكنتي في كتابه الطرائف اعترض قول الأصل أو عديمته بأنه غير صحيح بالتجربة . قال : وأما قوله فقليلة الوقوع فغير بعيد لفقد شرطها في الناس وهو التقوى أما إذا تحقق الشرط فتحقق المشروط ضروري ا هـ والله تعالى أعلم .

( الوصل الخامس ) الطلسمات حقيقتها نقش أسماء خاصة لها تعلق بالأفلاك والكواكب على زعم أهل الطلاسم في جسم من المعادن أو غيرها تحدث بها آثار خاصة ربطت بها في مجاري العادات ، ولا بد مع ذلك من قوة نفس صالحة لهذه الأعمال فليس كل النفوس مجبولة على ذلك بل بعض الناس لا تجري الخاصية المذكورة على يده فلا بد في الطلسم من هذه الأربعة [ ص: 200 ] الأول : الأسماء المخصوصة والثاني تعلقها ببعض أجزاء الفلك . والثالث جعلها في جسم من الأجسام . والرابع قوة النفس الصالحة لهذه الأعمال ، قاله الأصل .

وقال ابن الشاط : وهي ممنوعة شرعا ثم من اعتقد لها فعلا وتأثيرا فذلك كفر ، وإلا فعلمها معصية غير كفر إما مطلقا ، وإما ما يؤدي منها إلى مضرة دون ما يؤدي إلى منفعة ، والله تعالى أعلم ا هـ بلفظه .

( الوصل السادس ) العزائم قال الأصل : حقيقتها كلمات ، وأسماء يزعم أهل هذا العلم أنها تعظمها الملائكة فمتى أقسم عليها بها أطاعت ، وأجابت وفعلت ما طلب منها فالمعزم يقسم بتلك الأسماء على ذلك الملك فيحضر القبيل من الجان الذي طلبه أو الشخص منهم فيحكم فيه بما يريد وذلك أنهم يزعمون أن سليمان عليه السلام لما أعطاه الله الملك وجد الجان يعبثون ببني آدم ويسخرون بهم في الأسواق ويخطفونهم من الطرقات فسأل الله تعالى أن يولي على كل قبيل من الجان ملكا يضبطهم عن الفساد فولى الله تعالى الملائكة على قبائل الجن فمنعوهم من الفساد ومخالطة الناس ، وألزمهم سليمان عليه السلام سكنى القفار والخراب من الأرض دون العامر ليسلم الناس من شرهم ويزعمون أيضا أن لكل نوع من الملائكة أسماء أمرت بتعظيمها فإذا عنى القبيل من الجان أو الشخص منهم ذكر المعزم الأسماء التي تعظمها تلك الملائكة ليحضروا له من عنى وأفسد من الجان ليحكم فيه بما يريد ويزعمون أيضا أن هذا الباب إنما دخله الخلل من جهة عدم ضبط تلك الأسماء فإنها أعجمية لا يدرى وزن صيغها ، وأن كل حرف منها يشك فيه هل هو بالضم أو الفتح أو الكسر وربما أسقط النساخ بعض حروف الاسم من غير علم فيختل العمل فإن المقسم به لفظ آخر لا يعظمه ذلك الملك فلا يجيب فلا يحصل مقصود المعزم قاله الأصل وصححه ابن الشاط إلا أنه قال ، ولم يذكر حكم العزائم في الشرع وينبغي أن يكون حكمها حكم الرقى إذا تحققت وتحقق أن لا محذور في تلك الألفاظ ا هـ فافهم .

( الوصل السابع ) الاستخدامات لروحانيات الكواكب ولملوك الجان حقيقتها كلمات خاصة موضوعة في كتب أهل هذا العلم يزعمون أنها إذا حصلت مع البخور الخاص واللباس الخاص على الذي يباشر البخور ، ومع الأفعال الخاصة التي استوعبوا في كتبهم اشتراطها كانت روحانية ذلك الكوكب مطيعة له وكذلك يكون كل ملك من ملوك الجان مطيعا له ، وذلك أنهم يزعمون أن للكواكب إدراكات روحانية فإذا قوبلت الكواكب أو ملوك الجان ببخور خاص ولباس خاص على الذي يباشر البخور وربما تقدمت منه أفعال خاصة منها ما هو محرم في الشرع كاللواط ، ومنها ما هو كفر صريح كالسجود للكواكب أو ملك الجن وكذلك الألفاظ التي يخاطب بها الكواكب أو ملك الجن منها ما هو كفر صريح كندائه بلفظ الآلهية ونحو ذلك ومنها ما هو غير محرم على قدر تلك الكلمات الموضوعة في كتبهم ، والغالب عليهم الكفر فلا جرم لا يشتغل بهذه الأمور مفلح قاله الأصل ، وسلمه ابن الشاط والله سبحانه وتعالى أعلم .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( خاتمة ) أسأل الله حسنها في تبصرة ابن فرحون قال الباجي قد ذكر الناس في أمر العين وجوها أصحها أن يكون الله سبحانه قد أجرى العادة عند تعجب الناظر من أمر ونطقه دون أن يبرك أن يمرض المتعجب منه أو يتلف أو يتغير ؛ لأن العائن إذا برك وهو أن يقول بارك الله فيه بطل المعنى الذي يخاف من العين ، ولم يكن له تأثير فإن لم يبرك أوقع الله ما أجرى به العادة عند ذلك وقد يتلافى ذلك بعد وقوعه بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ا هـ .

وقال ابن العربي الباري سبحانه هو الخالق لما في السموات والأرض ، وليس فيها حركة ، ولا سكنة ، ولا كلمة ، ولا لفظة إلا سبحانه خالقها في العبد وهو مقدرها [ ص: 201 ] له هو تعالى رتب أفعاله ورتب أسبابها ورتب العوائد على أسباب . مثال ذلك : العين فإن النفس إذا رأت صورة تستحسنها فغلب ذلك عليها واستولى ذلك على القلب فإن لم تنطق بحرف لم يخلق الله شيئا ، وإن نطقت بالاستحسان والتعجب من الجمال فقد أجرى الله العادة بأنه إذا خلق النطق بالاستحسان والتعجب مثلا من العائن خلق الله تعالى في بدن المعين المرض والهلكة على قدر ما يريد الله عز وجل فلذلك نهى العائن عن القول ، والباري تعالى وإن كان قد سبق في حكمه الوجود بذلك فقد سبق من حكمته أن العائن إذا برك سقط حكم فعله ، ولم يظهر له أثر ، والباري سبحانه يرد قضاءه بقضائه ، ومن حكمته أن جعل وضوء العائن يسقط أثر عينه وذلك بخاصة لا يعلمها إلا خالق الخاص والعام وكذلك ما يحدث عند قول الساحر وفعله في جسم المسحور أو ماله وضعه الله تعالى في الأرض بمشيئته وحكمته . ومن فصول الشريعة وفضلها وحكمتها البالغة ما وضعه الله تعالى من الرقى من إذهاب الأمراض من الأبدان بها وإبطال سحر الساحر ورد عين العائن عند الاسترقاء بها ودفع كل ضرر بإذن الله تعالى .

والبارئ تعالى هو الذي خلق الشفاء عند الاسترقاء كما خلق الشفاء من الداء عند استعمال الدواء ، ولا حظ للدواء في ذلك ، ولا يصح في عقل عاقل أن يكون جماد فاعلا وكما أن الله سبحانه يصرف الأعمال الغريبة داخل البدن بالأدوية كذلك يصرفها خارج البدن بالرقى والتعويذ وقد شاهدنا ذلك ، والشاهد أقوى من الدليل النظري . ا هـ ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية