الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                6559 6560 6561 ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب ، قال: حدثني مالك ، عن أبي بكر بن نافع ، عن أبيه ( ، (ح).

                                                وحدثنا محمد بن عمر وابن يونس، قال: ثنا عبد الله بن نمير ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، كليهما عن النبي -عليه السلام- قال: "احفوا الشوارب و [اعفوا] اللحى" . ح).

                                                [ ص: 177 ] وحدثنا ابن أبي عقيل ، قال: أنا ابن وهب ، قال: حدثني مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله -عليه السلام- مثله.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه ثلاث طرق صحاح.

                                                الأول: رجاله كلهم رجال الصحيح، عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك بن أنس ، عن أبي بكر بن نافع ، عن أبيه نافع مولى ابن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                وأخرجه مالك في "موطئه" .

                                                ومسلم: ثنا قتيبة بن سعيد ، عن مالك بن أنس ، عن أبي بكر بن نافع ، عن أبيه، عن ابن عمر ، عن النبي -عليه السلام-: "أنه أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى".

                                                الثاني: عن محمد بن عمرو بن يونس ، عن عبد الله بن نمير الهمداني ، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، عن نافع ، عن ابن عمر .

                                                وأخرجه مسلم أيضا: ثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يحيى -يعني ابن سعيد- .

                                                ونا ابن نمير، قال: ثنا أبي جميعا عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي -عليه السلام- قال: "احفوا الشوارب واعفوا اللحى".

                                                وأخرجه الترمذي: عن الحسن الخلال ، عن عبد الله بن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع، نحوه.

                                                والنسائي: عن عبيد الله بن سعيد ، عن يحيى ، عن عبيد الله بن عمر -نحوه.

                                                [ ص: 178 ] الثالث: عن عبد الغني بن رفاعة [اللخمي] المعروف بابن أبي عقيل المصري شيخ أبي داود، وابنه أبي بكر بن أبي داود ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك بن أنس .

                                                قوله: "احفوا" أمر من أحفى شاربه؛ إذا استأصل قطعه.

                                                قوله: "واعفوا اللحى" أي اتركوها حتى تكثر وتطول، قال القاضي: وفي رواية "أوفوا اللحى"، وهو بمعنى اعفوا أيضا.

                                                وذكر مسلم في حديث أبي هريرة أيضا: "أرخوا اللحى" كذا عند أكثر شيوخنا.

                                                ولابن ماهان: أرجوا -بالجيم- قيل: معناه أخروا، وأصله: أرجئوا فسهلت الهمزة بالحذف، وكأن معناه: اتركوا فيها فعلكم بالشوارب.

                                                وفي البخاري: "وفروا اللحى" قال أبو عبيد في إعفاء اللحى: هو أن توفر وتكثر، ويقال: عفى الشيء إذا كثر وزاد، وأعفيته أنا وعفى إذا درس، وهو من الأضداد ومنه الحديث: "فعلى الدنيا العفاء" أي الدروس، ويقال: التراب.

                                                [ ص: 179 ] قال القاضي: عفوت الشعر وأعفيته لغتان، وكره قصها وحلقها وتجريفها، وقد جاء الحديث بذم فاعل ذلك، وسنة بعض الأعاجم حلقها وجزها، وتوفير الشوارب، وهي كانت سيرة الفرس.

                                                وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن، ويكره الشهرة في تعظيمها وتخليتها، كما يكره في قصها وجزها.

                                                وقد اختلف السلف: هل لذلك حد؟

                                                فمنهم من لم يحدد إلا أنه لا يتركها لحد الشهرة، ويأخذ منها، وكره مالك طولها جدا، ومنهم من حدد بما زاد على القبضة، فيزال ما فضل عنها، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة. انتهى.

                                                وقال أبو حامد: اختلف فيما طال من اللحية؛ فقيل إن قبض الرجل على لحيته وأخذ ما تحت القبضة فلا بأس؛ قد فعله ابن عمر وجماعة من السلف التابعين، واستحبه الشعبي وابن سيرين، وكرهه الحسن وقتادة وقالا: تركها أحب؛ لقوله -عليه السلام-: "أعفوا اللحى" والأمر في هذا قريب إذا لم ينته إلى تقصيص اللحية وتدويرها من الجوانب، فإن الطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين بالنسبة إليه، فلا بأس بالاحتراز عنه على هذه النية.

                                                وقال النخعي: عجبت لرجل عاقل طويل اللحية كيف لا يأخذ من لحيته، فيجعلها بين لحيتين؟! فإن التوسط في كل شيء حسن.

                                                فإن قيل: هل ورد في هذا أثر؟

                                                قلت: روى ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن زمعة ، عن ابن طاوس ، عن سماك بن يزيد قال: "كان علي - رضي الله عنه - يأخذ من لحيته مما يلي وجهه".

                                                [ ص: 180 ] حدثنا: أبو أسامة ، عن شعبة ، عن عمرو بن أيوب -من ولد جرير- عن أبي زرعة قال: "كان أبو هريرة يقبض على لحيته ثم يأخذ ما فضل عن القبضة".

                                                ثنا: علي بن هاشم ووكيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن نافع عن ابن عمر: "أنه كان يأخذ ما فوق القبضة". وقال وكيع: ما [جاوز] القبضة".




                                                الخدمات العلمية