الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 179 ] 22 - باب

                                فضل العشاء

                                فيه حديثان :

                                الأول :

                                541 566 - حدثنا يحيى بن بكير : ثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، أن عائشة أخبرته ، قالت : أعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بالعشاء ، وذلك قبل أن يفشو الإسلام ، فلم يخرج حتى قال عمر : نام النساء والصبيان ، فخرج ، فقال لأهل المسجد : ( ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم ) .

                                التالي السابق


                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم ) ، قد فهمت منه عائشة - رضي الله عنها - أن الصلاة لم يكن يجتمع لها بغير المدينة .

                                وقد خرجه البخاري في موضع آخر ، وفيه : قال : ( ولا يصلى يومئذ إلا بالمدينة ) ، ولعل هذا مدرج من قول الزهري أو عروة ، وقد كان يصلى بالمدينة في غير مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كمسجد قباء وغيره من مساجد قبائل الأنصار .

                                وقد روي ما يدل على أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه لا يصليها أحد من أهل الأديان غير المسلمين .

                                ففي ( صحيح مسلم ) من حديث منصور ، عن الحكم ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لصلاة عشاء الآخرة ، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده ، فلا ندري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك ؟ فقال حين خرج : ( إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ، ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة ) ، ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة وصلى .

                                [ ص: 180 ] وخرج الإمام أحمد من رواية عاصم ، عن زر ، عن ابن مسعود ، قال : أخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العشاء ، ثم خرج إلى المسجد ، فإذا الناس ينتظرون الصلاة ، فقال : ( أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم ) ، قال : وأنزلت هؤلاء الآيات : ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة .

                                وخرجه يعقوب بن شيبة في ( مسنده ) ، وقال : صالح الإسناد .

                                وخرج الإمام أحمد وأبو داود من رواية عاصم بن حميد السكوني ، أنه سمع معاذ بن جبل قال : رقبنا النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العتمة ، فتأخر حتى خرج ، فقال : ( أعتموا بهذه الصلاة ; فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ، ولم تصلها أمة قبلكم ) .

                                وعاصم هذا ; وثقه ابن حبان والدارقطني ، وهو من أصحاب معاذ .

                                وخرج أبو مسلم الكجي في ( سننه ) من حديث الشعبي ، قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخر صلاة العشاء ذات ليلة حتى ذهب من الليل ما شاء الله ، ثم جاء ، فقال : ( هذه الصلاة لم يعطها أحد من الأمم قبلكم - أو غيركم - ; فمن كان طالبا إلى الله عز وجل حاجة لآخرة أو دنيا فليطلبها في هذه الصلاة ) .

                                وقد دلت هذه الأحاديث على فضل ذكر الله تعالى في الأوقات التي يغفل عموم الناس فيها ، ولهذا فضل التهجد في وسط الليل على غيره من الأوقات ; لقلة من يذكر الله في تلك الحال .

                                [ ص: 181 ] وفي ( المسند ) عن أبي ذر ، قال : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - : أي قيام الليل أفضل ؟ قال : ( جوف الليل الغابر - أو نصف الليل - وقليل فاعله ) .

                                وفي الترمذي عن عمرو بن عبسة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر ، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن ) .

                                قال بعض السلف : ذاكر الله في الغافلين كمثل الذي يحمي الفئة المنهزمة ، ولولا من يذكر الله في غفلة الناس هلك الناس .

                                ورويناه مرفوعا بإسناد ضعيف ، عن ابن عمر - مرفوعا - : ( ذاكر الله في الغافلين كالذي يقاتل عن الفارين ، وذاكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء في وسط الشجر الذي تحات ورقه من الصريد ) - والصريد : البرد الشديد - ( والذاكر الله في الغافلين يغفر له بعدد كل رطب ويابس ، وذاكر الله في الغافلين يعرف مقعده من الجنة ) .




                                الخدمات العلمية