الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وذو رحم ) وهو معطوف على قوله وذو فرض في أول الكتاب ( وهو قريب ليس بذي سهم ولا عصبة ) أي ذو الرحم وهو قريب ليس بوارث بفرض ولا بعصبة وهذا على اصطلاح أهل هذا العلم وفي الحقيقة الوارث لا يخرج من أن يكون ذا رحم وتحته ثلاثة أنواع قريب وهو ذو سهم وقريب هو عصبة وقريب ليس بذي سهم ولا عصبة فقدمنا الكلام في الأولين وبقي في الثالث فنقول عندنا هم يرثون عند عدم النوعين الأولين وهو قول عامة الصحابة رضي الله عنهم غير زيد بن ثابت فإنه قال لا ميراث لذوي الأرحام بل يوضع في بيت المال وبه أخذ مالك والشافعي لما روي عن عطاء بن يسار { أن رجلا من الأنصار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله رجل هلك وترك عمته وخالته فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات ، ثم قال : لا شيء لهما وفي بعض رواياته لا أرى ينزل علي شيء لا شيء لهما ، وروي أنه قال لا أجد لهما شيئا } وإذا لم ينزل عليه شيء لا يمكن إثباته بالرأي ; لأن المقادير لا يمكن إثباتها بالرأي ، ولنا ما روي عن ابن عباس أن { النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه فكانوا يتوارثون بذلك حتى نزلت { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } فتوارثوا بذلك } وعن المقداد بن معدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من ترك مالا فلورثته ، وأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه ، والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه } رواه أحمد وأبو داود وغيرهما { وحين مات ثابت بن الدحداح وكان غريبا لا يعرف من أين هو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو لبابة بن المنذر ابن أخته فأعطاه ميراثه } .

                                                                                        وعن أمامة بن سهل أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله وليس له وارث إلا خالا فكتب في ذلك أبو عبيدة إلى عمر فكتب عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له } وقال الترمذي حديث حسن وقال الطحاوي هذا آثار متصلة قد توارثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا كانت الصحابة رضي الله عنهم حتى روي عن عمر رضي الله عنه في عم لأم وخالة أعطى العم الثلثين والخالة الثلث ويحتمل أن يكون هناك من هو أولى منهما أو كان ذلك قبل نزول الآية ويحتمل أن قوله عليه الصلاة والسلام { لا شيء لهما } أراد به الفرض أي لا فرض لهما مقدر ، ونحن نقول به فإن قيل : لا حجة لكم في الآية لأنها نزلت برد التوارث بالإخاء ، ويحتمل أن يكون المراد بها العصبة وأصحاب السهام وليس فيها دلالة على أن المراد بها غيرهم قلنا العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب وهي عامة فيعمل بعمومها على أن كثيرا من [ ص: 578 ] أصحاب الشافعي منهم شريح خالفوه وذهبوا إلى توريث ذوي الأرحام وهو اختيار فقهائهم للفتوى في زماننا لفساد بيت المال فصرفه في غير المصارف .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية