الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وكره تركهما للمسافر ) أي ترك الأذان والإقامة لما رواه البخاري ومسلم عن مالك بن الحويرث { أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي فلما أردنا الانتقال من عنده قال لنا إذا حضرت الصلاة فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما } وإذا كان هذا الخطاب لهما ولا حاجة لهما مترافقين إلى استحضار أحد علم أن المنفرد أيضا يسن له ذلك ، وقد ورد في خصوص المنفرد أحاديث في أبي داود والنسائي { يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل انظروا إلى عبدي هذا يؤذن للصلاة ويقيم للصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة } وعن سلمان الفارسي قال { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الرجل بأرض فيء فحانت الصلاة فليتوضأ ، فإن لم يجد ماء فليتيمم ، فإن أقام صلى معه ملكاه وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه } رواه عبد الرزاق وبهذا ونحوه عرف أن المقصود من الأذان لم ينحصر في الإعلام بل كل منه ومن الإعلان بهذا الذكر نشر الذكر لله ودينه في أرضه وتذكير العباد من الجن والإنس الذين لا يرى شخصهم في الفلوات من العباد قيد بتركهما ; لأنه لو ترك الأذان وأتى بالإقامة لا يكره لأثر علي رضي الله عنه ولو عكس يكره كما في شرح النقاية .

                                                                                        ( قوله : لا لمصل في بيته في المصر ) أي لا يكره تركهما له والفرق بينهما أن المقيم إذا صلى بدونهما حقيقة فقد صلى بهما حكما ; لأن المؤذن نائب عن أهل المحلة فيهما فيكون فعله كفعلهم ، وأما المسافر فقد صلى بدونهما حقيقة وحكما ; لأن المكان الذي هو فيه لم يؤذن فيه أصلا لتلك الصلاة ، كذا في الكافي ومفهومه أنه لو لم يؤذنوا في الحي [ ص: 280 ] فإنه يكره تركهما للمصلي في بيته ، وقد صرح به في المجتبى أنه لو أذن بعض المسافرين سقط عن الباقين كما لا يخفى وأطلق في المصلي في بيته فأفاد أنه لا فرق بين الواحد والجماعة وعن أبي حنيفة في قوم صلوا في المصر في منزل واكتفوا بأذان الناس أجزأهم ، وقد أساءوا ففرق بين الواحد والجماعة في هذه الرواية والتقييد بالبيت ليس احترازا بل المصلي في المسجد إذا صلى بعد صلاة الجماعة لا يكره له تركهما بل ليس له أن يؤذن وفي السراج الوهاج وإن دخل مسجدا ليصلي فإنه لا يؤذن ولا يقيم وإن أذن في مسجد جماعة وصلوا يكره لغيرهم أن يؤذنوا ويعيدوا الجماعة ولكن يصلوا وحدانا وإن كان المسجد على الطريق فلا بأس أن يؤذنوا فيه ويقيموا ا هـ

                                                                                        وفي الخلاصة جماعة من أهل المسجد أذنوا في المسجد على وجه المخافتة بحيث لم يسمع غيرهم ، ثم حضر من أهل المسجد قوم وعلموا فلهم أن يصلوا بالجماعة على وجهها ولا عبرة للجماعة الأولى والتقييد بالمصر ليس احترازيا أيضا بل القرية كالمصر إن كان في القرية مسجد فيه أذان وإقامة وإن لم يكن فيها مسجد فحكمه حكم المسافر كذا في شرح النقاية للشمني .

                                                                                        والحاصل أن الأذان والإقامة كل منهما سنة في حق أهل المسجد يكره ترك واحد منهما أذانا أو إقامة ، وأما غيرهم فلا يكونان سنة مؤكدة . ( قوله : وندبا لهما ) أي الأذان والإقامة للمسافر والمصلي في بيته في المصر ليكون الأداء على هيئة الجماعة وفي السراج الوهاج ولو أذن المسافر راكبا فلا بأس به من غير كراهة وينزل للإقامة وفي الظهيرية بيت له مسجد يكره أن يصلي فيه ويترك الإقامة . ( قوله : لا للنساء ) أي لا يندب للنساء أذان ولا إقامة ; لأنهما من سنن الجماعة المستحبة قيد بالنساء أي جماعة النساء ; لأن المرأة المنفردة تقيم ولا تؤذن كما قدمناه وظاهر ما في السراج الوهاج أنها لا تقيم أيضا ، وأشار إلى أن العبيد لا أذان ولا إقامة عليهم ; لأنها من سنن الجماعة وجماعتهم غير مشروعة ولهذا لم يشرع التكبير عقبها أيام التشريق ذكره الشارح والله سبحانه وتعالى أعلم .

                                                                                        [ ص: 280 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 280 ] ( قوله : وقد صرح به في المجتبى ) فيه نظر ; لأنه لم يصرح بذلك ، وإنما يفهم منه بطريق الدلالة لكن الظاهر أن قوله أنه لو أذن بعض المسافرين ليس عبارة المجتبى بل أصله وأنه بواو العطف على قوله أنه لو لم يؤذنوا فتكون الواو سقطت من قلم الناسخ تأمل . ( قوله : فالحاصل أن الأذان والإقامة إلخ ) لو أخره إلى القولة الآتية لكان أولى . ( قوله : لأن المرأة المنفردة تقيم ولا تؤذن كما قدمناه ) قال الرملي الذي قدمه في شرح قوله ويؤذن للفائتة أن تركهما هو السنة حالة الانفراد بل جعله أولويا فراجعه




                                                                                        الخدمات العلمية