الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويغرز ) ندبا بدائع [ ص: 637 ] ( الإمام ) وكذا المنفرد ( في الصحراء ) ونحوها ( سترة بقدر ذراع ) طولا ( وغلظ أصبع ) لتبدو للناظر ( بقربه ) دون ثلاثة أذرع ( على ) حذاء ( أحد حاجبيه ) ما بين عينيه والأيمن أفضل ( ولا يكفي الوضع ولا الخط ) وقيل يكفي فيخط طولا ، وقيل كالمحراب ( ويدفعه ) هو رخصة ، فتركه أفضل بدائع .

قال الباقاني : فلو ضربه فمات لا شيء عليه عند الشافعي رضي الله عنه ، خلافا لنا على ما يفهم من كتبنا ( بتسبيح ) [ ص: 638 ] أو جهر بقراءة ( أو إشارة ) ولا يزاد عليها عندنا قهستاني ( لا بهما ) فإنه يكره ، والمرأة تصفق لا ببطن على بطن ، ولو صفق أو سبحت لم تفسد وقد تركا السنة تتارخانية

التالي السابق


( قوله ندبا ) لحديث " { إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة ، ولا يدع أحدا يمر بين يديه } " رواه الحاكم وأحمد وغيرهما ، وصرح في المنية بكراهة تركها ، وهي تنزيهية . والصارف للأمر عن حقيقته ما رواه أبو داود عن الفضل والعباس [ ص: 637 ] { رأينا النبي صلى الله عليه وسلم في بادية لنا يصلي في صحراء ليس بين يديه سترة } "

وما رواه أحمد " أن ابن عباس صلى في فضاء ليس بين يديه شيء كما في الشرنبلالي ( قوله وكذا المنفرد ) أما المقتدي فسترة الإمام تكفيه كما يأتي ( قوله ونحوها ) أي من كل موضع يخاف فيه المرور . قال في البحر عن الحلية : إنما قيد بالصحراء لأنها المحل الذي يقع فيه المرور غالبا ، وإلا فالظاهر كراهة ترك السترة فيما يخاف فيه المرور أي موضع كان . ا هـ . ( قوله بقدر ذراع ) بيان لأقلها ط . والظاهر أن المراد به ذراع اليد كما صرح به الشافعية ، وهو شبران ( قوله وغلظ أصبع ) كذا في الهداية ، لكن جعل في البدائع بيان الغلظ قولا ضعيفا ، وأنه لا اعتبار بالعرض . وظاهره أنه المذهب بحر ، ويؤيده ما رواه الحاكم وقال على شرط مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال { يجزي من السترة قدر مؤخرة الرحل ولو بدقة شعرة } " ومؤخرة بضم الميم وهمزة ساكنة وكسر الخاء المعجمة : العود الذي في آخر رحل البعير كما في الحلية .

( قول بقربه ) متعلق بقوله يغرز أو بمحذوف صفة لسترة أو حال منها ( قوله دون ثلاثة أذرع ) الأولى أن يبدل دون بقدر ، لما في البحر عن الحلية : السنة أن لا يزيد ما بينه وبينها على ثلاثة أذرع ح . بقي هل هذا شرط لتحصيل سنة الصلاة إلى السترة ، حتى لو زاد على ثلاثة أذرع تكون صلاته إلى غير سترة أم هو سنة مستقلة ، لم أره ( قوله والأيمن أفضل ) صرح به الزيلعي ( قوله ولا يكفي الوضع ) أي وضع السترة على الأرض إذا لم يمكن غرزها ، وهذا ما اختاره في الهداية ، ونسبه في غاية البيان إلى أبي حنيفة ومحمد وصححه جماعة منهم قاضي خان معللا بأنه لا يفيد المقصود بحر ( قوله ولا الخط ) أي الخط في الأرض إذا لم يجد ما يتخذه سترة ، وهذا على إحدى الروايتين أنه ليس بمسنون ، ومشى عليه كثير من المشايخ واختاره في الهداية لأنه لا يحصل به المقصود إذ لا يظهر من بعيد ( قوله وقيل يكفي ) أي كل من الوضع والخط : أي يحصل به السنة ، فيسن الوضع كما نقله القدوري عن أبي يوسف ، ثم قيل يضعه طولا لا عرضا ليكون على مثال الغرز . ويسن الخط كما هو الرواية الثانية عن محمد لحديث أبي داود { فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا } " وهو ضعيف ، لكنه يجوز العمل به في الفضائل . ولذا قال ابن الهمام : والسنة أولى بالاتباع مع أنه يظهر في الجملة إذ المقصود جمع الخاطر بربط الخيال به كي لا ينتشر ، كذا في البحر وشرح المنية . قال في الحلية : وقد يعارض تضعيفه بتصحيح أحمد وابن حبان وغيرهما له ( قوله فيخط طولا إلخ ) قال في شرح المنية : وقال أبو داود قالوا : الخط بالطول ، وقالوا بالعرض مثل الهلال ا هـ وذكر النووي أن الأول المختار ليصير شبه ظل السترة بحر . [ تنبيه ]

لم يذكروا ما إذا لم يكن معه سترة ومعه ثوب أو كتاب مثلا هل يكفي وضعه بين يديه ؟ والظاهر نعم كما يؤخذ من تعليل ابن الهمام المار آنفا ; وكذا لو بسط ثوبه وصلى عليه ; ثم المفهوم من كلامهم أنه عند إمكان الغرز لا يكفي الوضع ، وعند إمكان الوضع لا يكفي الخط ( قوله ويدفعه ) أي إذا مر بين يديه ولم تكن له سترة ، أو كانت ومر بينه وبينها كما في الحلية والبحر ، ومفاده إثم المار وإن لم تكن سترة كما قدمناه . وفي التتارخانية : وإذا دفعه رجل آخر لا بأس به سواء كان في الصلاة أو لا ( قوله فلو ضربه إلخ ) أي إذا لم يمكن دفعه إلا بذلك ، لأن الشافعية صرحوا بأنه يلزم الدافع تحري الأسهل كما في دفع الصائل ( قوله خلافا لنا إلخ ) أي أن المفهوم من [ ص: 638 ]

كتب مذهبنا أن ما يقوله الشافعي خلاف قولنا ، فإنهم صرحوا في كتبنا بأنه رخصة ، والعزيمة عدم التعرض له ، فحيث كان رخصة يتقيد بوصف السلامة ، أفاده الرحمتي بل قولهم : ولا يزاد على الإشارة صريح في أن الرخصة هي الإشارة ، وأن المقاتلة غير مأذون بها أصلا . وأما الأمر بها في حديث " { فليقاتله فإنه شيطان } " فهو منسوخ ، لما في الزيلعي عن السرخسي أن الأمر بها محمول على الابتداء حين كان العمل في الصلاة مباحا ا هـ فإذا كانت المقاتلة غير مأذون بها عندنا كان قتله جناية يلزمه موجبها من دية أو قود فافهم .

( قوله أو جهر بقراءة ) خصه في البحر بحثا بالصلاة الجهرية وبما يجهر فيه منها ، وعليه فالمراد زيادة رفع الصوت عن أصل جهره ، والظاهر شمول السرية لأن هذا الجهر مأذون فيه فلا يكره . على أن الجهر اليسير عفو ، والمكروه قدر ما تجوز به الصلاة في الأصح كما في سهو البحر ، فإذا جهر في السرية بكلمة أو كلمتين حصل المقصود ولم يلزم المحذور فتدبر ( قوله أو إشارة ) أي باليد أو الرأس أو العين بحر ( قوله ولا يزاد عليها ) أي على الإشارة بما ذكر ، فلا يدرأ بأخذ الثوب ولا بالضرب الوجيع كما في القهستاني عن التمرتاشي . ويؤخذ منه فساد الصلاة لو بعمل كثير ، بخلاف قتل الحية على أحد القولين فيه كما يأتي ( قوله لا بهما ) أي لا يجمع بين التسبيح والإشارة لأن بأحدهما كفاية فيكره كما في الهداية جازما به خلافا لما في الشرنبلالية فإنه تحريف لما في الهداية كما أفاده الشارح في هامش الخزائن ( قوله لا ببطن على بطن ) أي بل بظهر أصابع اليمنى على صفحة كف اليسرى كما في البحر وغيره عن غاية البيان ، لكن لم يظهر وجهه إذ ببطن اليمنى على ظهر اليسرى أقل عملا ، فكأن هذا حمل الشارح على تغيير العبارة والتنصيص على محل الكراهة وهو الضرب ببطن على بطن رحمتي




الخدمات العلمية