الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( و ) يسن ( الذكر ) والدعاء ( بعدها ) أي الصلاة والإكثار من ذلك ، فقد { كان صلى الله عليه وسلم إذا سلم منها قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، [ ص: 551 ] اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد } رواه الشيخان .

                                                                                                                            وقال صلى الله عليه وسلم { من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ، وحمد الله ثلاثا وثلاثين ، وكبر الله ثلاثا وثلاثين ، ثم قال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إلى قوله : قدير ، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر } ، وكان صلى الله عليه وسلم { إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا ، وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام } رواهما مسلم { وسئل صلى الله عليه وسلم أي الدعاء أسمع أي أقرب إلى الإجابة قال جوف الليل ودبر كل صلاة المكتوبات } رواه الترمذي ، ويكون كل منهما سرا لكن يجهر بهما إمام يريد تعليم مأمومين فإذا تعلموا أسر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويسن الذكر والدعاء ) هذا الكلام يفيد مغايرة الدعاء للذكر .

                                                                                                                            وفي حج في شرح الخطبة بعد قول المصنف وما وجدته من الأذكار ما نصه : وهو أي الذكر لغة : كل مذكور ، وشرعا : قول سبق لثناء أو دعاء ، وقد يستعمل شرعا أيضا لكل قول يثاب قائله ، وعليه فالذكر شامل للدعاء ، فقول الشارح : والدعاء من ذكر الخاص بعد العام إيضاحا .

                                                                                                                            وفي سم على منهج : والسنة أن يكون الذكر والدعاء قبل الإتيان بالنوافل بعدها راتبة كانت أو غيرها شرح روض : أي فلو أتى به بعد الراتبة فهل يحصل أو لا فيه تردد نقله الزيادي .

                                                                                                                            أقول : والأقرب الثاني لطول الفصل ، وسيأتي ما فيه عن سم ( قوله : وبعدها ) قال البكري في الكنز : ويندب عقب السلام من الصلاة أن يبدأ باستغفار ثلاثا ثم قوله اللهم أنت السلام إلخ ، ثم يقول : اللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا راد لما قضيت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ، ويختم بعد ذلك بما ورد من التسبيح والتحميد والتكبير المشار إليه ثم يدعو .

                                                                                                                            فهم ذلك كله من الأحاديث الواردة في ذلك ، وهذا الترتيب مستحب وإن لم أر من صرح به ا هـ وينبغي أنه إذا تعارض التسبيح وصلاة الظهر بعد الجمعة في جماعة تقديم الظهر وإن فاته التسبيح ، وينبغي أيضا تقديم آية الكرسي على التسبيح فيقرؤها بعد قوله ولا ينفع ذا الجد منك الجد .

                                                                                                                            وينبغي أيضا أن يقدم السبعيات لحث الشارع على طلب الفور فيها ، ولكن في ظني أن في شرح المناوي على الأربعين أنه يقدم التسبيح وما معه عليها ، وينبغي أيضا أن يقدم السبعيات وهم القلاقل على تكبير العيد أيضا لما مر من الحث على فوريتها ، والتكبير لا يفوت بطول الزمن ( قوله : قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلخ ) ظاهره أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول مرة واحدة وأنه خلف الصلوات الخمس .

                                                                                                                            وفي سم على حج : { كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح جلس حتى تطلع الشمس } ، واستدل في الخادم بخبر من قال في دبر كل صلاة الفجر وهو ثان رجله : لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث إلخ ، ثم قال : ويأتي مثله في المغرب والعصر لورود ذلك فيهما : وفي متن الجامع الصغير ما نصه { إذا صليتم صلاة الفرض فقولوا عقب كل صلاة عشر مرات لا إله إلا الله } إلى آخر الحديث ، وأقره المناوي ، وعليه فينبغي تقديمها على التسبيحات لحث الشارع عليها بقوله وهو ثان رجله إلخ .

                                                                                                                            وورد أيضا { أن من قرأ قل هو الله أحد مائة مرة عقب صلاة الصبح ولم يتكلم غفر له } وأورد عليه سم في باب الجهاد سؤالا حاصله أنه إذا سلم عليه شخص وهو مشغول بقراءتها هل يرد عليه السلام ولا يكون مفوتا للثواب الموعود به لاشتغاله بأمر واجب ، أو يؤخر إلى الفراغ ويكون ذلك عذرا في التأخير ؟ ثم قال فيه نظر ولم يرجح شيئا .

                                                                                                                            أقول : والأقرب الأول ، وحمل الكل الكلام على أجنبي لا عذر له في الإتيان به وعلى ما ذكر إذا سلم من [ ص: 551 ] صلاة الصبح وأراد الإتيان بالذكر الذي هو لا إله إلا الله إلخ ، وقراءة السورة هل الأولى تقديم الذكر أو السورة ؟ فيه نظر ، ولا يبعد تقديم الذكر لحث الشارع المبادرة إليه بقوله وهو ثان رجله ، ولا يعد ذلك من الكلام لأنه ليس أجنبيا عما يطلب بعد الصلاة .

                                                                                                                            قال الشيخ عميرة : ومن الدعاء الوارد في هذا المحل : { اللهم أعني على ذكرك } الحديث . ومنه ما سلف استحبابه بين السجدتين ، ومنه : { اللهم إني أعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر } ا هـ رحمه الله ( قوله : من سبح الله دبر كل صلاة ) أي بعد كل صلاة من الفرائض .

                                                                                                                            وقال بعضهم : هو شامل للنافلة أيضا ، ثم ظاهره أنه لا فرق بين الإتيان بها على الفور والتراخي ، لكن قال حج : إنه لا يضر الفصل اليسير كالاشتغال بالذكر المطلوب بعد الصلاة كآية الكرسي والراتبة ، وظاهره ولو أكثر من ركعتين .

                                                                                                                            وقال سم عليه : ما حاصله أنه ينبغي في اغتفار الراتبة أن لا يفحش الطول بحيث لا يعد التسبيح من توابع الصلاة عرفا ا هـ .

                                                                                                                            ثم على هذا لو والى بين صلاتي الجمع أخر التسبيح عن الثانية ، وهل يسقط تسبيح الأولى حينئذ أو يكفي لهما ذكر واحد أو لا بد من ذكر لكل من الصلاتين ؟ فيه نظر ، ولا يبعد أن الأولى إفراد كل واحدة بالعدد المطلوب لها ، فلو اقتصر على أحد العددين كفى في أصل السنة كما لو قرأ آيات سجدات متوالية حيث قالوا يكفي لها سجدة واحدة ، والأولى إفراد كل آية بسجود إذا كان خارج الصلاة ، أما إذا كان فيها فيسجد مرة واحدة فراجعه في المنهاج وشروحه ( قوله : وكبر الله ثلاثا وثلاثين ) الوجه الذي اعتمده جمع من شيوخنا كشيخنا الإمام البرلسي وشيخنا الإمام الخطيب حصول هذا الثواب إذا زاد على الثلاث والثلاثين في المواضع الثلاثة ، فيكون الشرط في حصوله عدم النقص عن ذلك خلافا لمن خالف .

                                                                                                                            قال الإسنوي بعد سوق ما ذكره الشارح من الأذكار وغيرها : ويستحب أن يبدأ من هذه الأذكار بالاستغفار المتقدم كما قاله أبو الطيب ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            وفي حج في ذلك كلام طويل فراجعه ، ومنه أن الأوجه أنه إن زاد لنحو شك عذر أو لتعبد : أي على وجه أنه مطلوب منا في هذا الوقت فلا لأنه حينئذ مستدرك على الشارع ( قوله : إذا انصرف من صلاته ) أي خرج منها بأن سلم ( قوله : استغفر الله ثلاثا ) لم يبين صيغته ، وينبغي أن يقول أستغفر الله العظيم ( قوله : جوف الليل ) يجوز نصبه على أنه ظرف لمقدر : أي أسمعه الدعاء جوف الليل : أي في جوف الليل ، ورفعه على أنه خبر لمبتدإ محذوف : أي أي الأزمنة الدعاء فيه أسمع : أي أقرب للإجابة ، فكأنه قيل : الزمن الذي يكون الدعاء فيه أسمع هو جوف الليل ( قوله : لكن يجهر بهما ) أي بالذكر والدعاء الواردين هنا ، وينبغي جريان ذلك في كل دعاء وذكر فهم من غيره أنه يريد تعلمهما مأموما كان أو غيره من الأدعية الواردة أو غيرها ولو دنيويا .




                                                                                                                            الخدمات العلمية