الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 626 - 627 ] ولعاصب ورث المال أو الباقي بعد الفرض ، [ ص: 628 ] وهو الابن ، ثم ابنه ، وعصب كل : أخته ، ثم الأب ، ثم الجد والإخوة كما تقدم : الشقيق ، ثم للأب . وهو كالشقيق عند عدمه ; إلا في الحمارية والمشتركة ، وزوج ، وأم ، أو جدة وأخوان لأم ، [ ص: 629 ] وشقيق وحده ، أو مع غيره : فيشاركون الإخوة للأم الذكر كالأنثى ، [ ص: 630 ] وأسقطه أيضا الشقيقة التي كالعاصب لبنت ، أو بنت ابن فأكثر ، ثم بنوهما ، [ ص: 631 ] ثم العم الشقيق ، ثم لأب ، ثم عم الجد الأقرب ، فالأقرب ، وإن غير شقيق ، وقدم مع التساوي الشقيق مطلقا

التالي السابق


( ولعاصب ) بنفسه وهو الذكر الذي لم يدخل في نسبه إلى الميت أنثى ، ومن خواصه أنه إن انفرد ( ورث المال ) الذي تركه الميت كله ( أو الباقي بعد ) إخراج جنس ( الفرض ) إذا اجتمع مع ذي فرض فأكثر ، وإن استغرقت الفروض المسألة تسقط . في الذخيرة مشتق من العصب وأصله الشدة والقوة ومنه عصب الحيوان ; لأنه يعينه على القوة [ ص: 628 ] والمدافعة والعصائب لشدها ما هي عليه ، والعصبة في الحق النصرة ، ولما كان أقارب الإنسان في نسبه يعضدونه وينصرونه سموا عصبة ، ولما ضعف الأخوال عن ذلك وجميع قرابات الأم لم يسموا عصبة ; لأن أصلهم الأم وهي امرأة .

ابن عرفة العاصب من له إرث لم يتعلق به فرض ، وأما العاصب بغيره فالنسوة الأربع ذوات النصف إذا اجتمعن مع أخواتهن أو من في حكمهم والعاصب مع غيره هن الأخوات الشقيقات أو لأب مع البنات أو بنات الابن ، فالتعصيب بالغير يستلزم كون الغير عاصبا بنفسه والتعصيب مع الغير لا يستلزم ذلك .

( وهو ) أي العاصب بنفسه ( الابن ) للميت ذكرا كان أو أنثى ( ثم ) يليه ( ابنه ) أي الابن وإن سفل ، والأعلى يحجب الأسفل ( وعصب ) بفتحات مثقلا ( كل ) من الابن وابنه ( أخته ) فالابن يعصب البنت وابن الابن يعصب بنت الابن أخته كانت أو بنت عمه كما تقدم ( ثم ) يلي ابن الابن ( الأب ) للميت ( ثم ) يلي الأب ( الجد ) وإن علا في عدم الأب ( والإخوة ) الأشقاء أو لأب ( كما تقدم ) في اجتماعهم مع الجد ( ثم ) يقدم الأخ ( الشقيق ثم ) يليه الأخ ( للأب ) ونسخة " غ " ليس فيها ، ثم قبل الشقيق قال وهو الصواب ، فهو بدل من الإخوة ( وهو ) أي الأخ لأب ( كالشقيق ) في أحكامه ( عند عدمه ) أي الشقيق .

واستثنى من التشبيه فقال ( إلا في ) المسألة الملقبة ب ( الحمارية ) لقول الشقيق فيها لعمر رضي الله عنه لما أراد إسقاطه ، هب أن أبانا كان حمارا ( و ) ب ( المشتركة ) أيضا بفتح الراء لاشتراك الشقيق فيها مع الإخوة لأم في الثلث وأركانها ( زوج وأم أو جدة ) بدل الأم ( والأخوان لأم ) اثنان ( ف ) يذهب عددهم ( صاعدا ) أي زائدا على الاثنين ( و ) [ ص: 629 ] أخ ( شقيق وحده أو مع غيره ) من الأشقاء ذكورا أو إناثا ، فأصلها ستة مقام سدس الأم أو الجدة ، ويندرج فيه مقام نصف الزوج ومقام ثلث الإخوة لأم ، فللزوج نصفها ثلاثة وللأم أو الجدة سدسها واحد ويبقى ثلثها اثنان ( فيشاركون ) أي الإخوة الأشقاء ( الإخوة للأم ) في الثلث الباقي ( الذكر ) فيه ( كالأنثى ) لأنهم إنما ورثوا فيه بأخوة الأم فميراثهم بالفرض لا بالتعصيب .

ويختلف ما تصح منه باختلاف عددهم قلة وكثرة ، فإن كان الإخوة لأم اثنين والشقيق واحد فتصح من ثمانية عشر لانكسار الاثنين على الثلاثة ومباينتها فتضرب الستة في ثلاثة بثمانية عشر ، ومنها تصح فللزوج ثلاثة في ثلاثة بتسعة وللأم أو الجدة واحد في ثلاثة بثلاثة وللإخوة كلهم اثنان في ثلاثة بستة لكل أخ اثنان ، وصورتها هكذا :

وإلى هذا رجع عمر رضي الله عنه في ثاني عام من خلافته ، وكان قضى فيها أول عام بأنه لا شيء للشقيق ، ولما نزلت ثاني عام أراد القضاء بمثل ذلك فاحتج عليه الشقيق بأن الإخوة لأم

إنما ورثوا الثلث بأمهم وهي أمي ، هب أن أبانا كان حمارا أو حجرا ملقى في اليم أليست الأم تجمعنا ، فأشرك بينهم فقيل له إنك قضيت فيها عام أول بخلاف هذا ، فقال تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي ولكونها مشتركة أربعة شروط أحدها كونها فيها زوج ، ثانيها كونها فيها ذو سدس أم أو جدة ، ثالثها تعدد الإخوة لأم فيها ، إذ لو كان واحدا لأخذ السدس والشقيق الباقي . رابعها وجود شقيق واحد أو متعدد وكلها علمت من كلام المصنف ، ولو كان بدل الشقيق فيها شقيقة واحدة عالت بمثل نصفها لتسعة وشقيقتان عالت بمثل ثلثيها العشرة ، وتسمى البلجاء من البلج وهو الظهور لظهور الحكم فيها وجريها [ ص: 630 ] على القواعد ، بخلاف الحمارية قاله ابن يونس .

ولو كان في المسألة جد لأسقط جميع الإخوة ، وكان الباقي بعد فرض الزوج والأم للجد وحده ; لأنه يسقط الإخوة لأم ، والشقيق إنما يرث فيها بأخوة الأم وتلقب بشبه المالكية ابن خروف فإن كان الأخ شقيقا فلم يختلف فيها قول زيد رضي الله عنه ولا نص فيها لمالك رضي الله عنه ، واختلف فيها أصحابه ، فمنهم من قال كقول زيد بن ثابت في المالكية ومنهم من جعلها كالمالكية في أنه لا شيء للإخوة والثلث كله للجد . ( تنبيه )

تسمى الحمارية منبرية أيضا ; لأن عمر رضي الله عنه سئل عنها وهو على المنبر ، وحجرية ويمية أيضا ، وما ذكره المصنف فيها هو قول مالك والشافعي وجماعة من التابعين رضي الله تعالى عنهم ، ونفاه أبو حنيفة وجماعة رضي الله تعالى عنهم ابن يونس لا يكاد أحد من الصحابة وغيرهم إلا اختلف قوله فيها ، غير أن مشهور علي رضي الله عنه عدم التشريك ، وقاله أبو حنيفة رضي الله عنه ، ومشهور مذهب زيد التشريك ، وقاله مالك والشافعي رضي الله تعالى عنهم وقضى عمر رضي الله عنه في العام الأول بعدم التشريك ، وفي الثاني به ، وقال ذلك على ما قضينا ، وهذا على ما نقضي ، ولو كان بدل الشقيق في الحمارية أخ لأب لسقط .

( وأسقطته ) أي الأخ لأب ( أيضا ) أي كإسقاطه في الحمارية المفاد بالاستثناء ( الشقيقة التي ) هي ( كالعاصب ) في حيازة ما بقي ( ل ) وجود ( بنت ) معها كبنت وشقيقة وأخ لأب ( أو ) ل ( بنت ابن فأكثر ) من بنت أو بنت ابن كبنات وشقيقة وأخ لأب أو بنات ابن وشقيقة وأخ لأب وأو مانعة خلو فقط ، فيجوز جمعهما مع الشقيقة كبنت وبنت ابن وشقيقة وأخ لأب ، فلا شيء له في جميعها ; لأن الشقيقة صارت عاصبا مع المذكورات ، والقاعدة في تعدد العاصب تقديم الأقرب .

( ثم بنوهما ) أي الأخ الشقيق والأخ لأب يليان الأخ لأب في التعصيب ، ويقدم ابن [ ص: 631 ] الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب . ابن يونس إن مات أخوان شقيقان أو لأب وترك أحدهما ابنا واحدا والآخر عشرة أبناء ثم مات جدهم قسم ماله بينهم على أحد عشر سهما لاستواء درجتهم ، ولا يرث كل فريق ما كان يرثه أبوه ; لأنهم يرثون جدهم بأنفسهم لا بآبائهم ، فمن كان له أخوان شقيقان أو لأب مات أحدهما عن ابن والآخر عن خمسة ثم مات عمهم فإنهم يرثونه على عددهم فيأخذ واحد السدس والأولى تأخير هذا عن قوله ثم العم الشقيق ثم للأب ، ويقول ثم بنو كل أو ثم بنوهم .

( ثم ) يلي بني الإخوة ( العم الشقيق ثم ) العم ( للأب ) ثم بنوهما ، ويقدم ابن العم الشقيق على ابن العم لأب ، وأسقط المصنف من هنا مراتب أخرى ، فالأولى ثم بنوهما ثم أبو الجد ثم عم الأب الشقيق ثم لأب ، ثم بنوهما ( ثم عم الجد ) الشقيق ثم لأب ثم بنوهما ويقدم ( الأقرب ) منهم ( فالأقرب ) إن كان الأقرب شقيقا ، بل ( وإن ) كان ( غير شقيق ) فيقدم الأخ لأب على ابن الأخ الشقيق والعم لأب على ابن العم الشقيق ( ويقدم ) الشقيق على الذي لأب ( مع التساوي ) في الدرجة كالإخوة والأعمام وبنيهم ( مطلقا ) أي في كل الدرجات .




الخدمات العلمية