الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويستر عورته ) لقوله تعالى { خذوا زينتكم عند كل مسجد } [ ص: 257 ] أي ما يواري عورتكم عند كل صلاة وقال عليه الصلاة والسلام { لا صلاة لحائض إلا بخمار } أي لبالغة ( وعورة الرجل ما تحت السرة إلى الركبة ) لقوله عليه الصلاة والسلام { عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته } ويروى { ما دون سرته حتى تجاوز ركبته } وبهذا تبين أن السرة ليست من العورة خلافا لما يقوله الشافعي رحمه الله ( والركبة من العورة ) خلافا له أيضا ، وكلمة إلى تحملها على كلمة مع عملا بكلمة حتى أو عملا بقوله [ ص: 258 ] عليه الصلاة والسلام { الركبة من العورة } .

التالي السابق


( قوله لقوله تعالى { خذوا زينتكم } ) نزلت في الطواف تحريما لطواف العريان ، والعبرة وإن كانت لعموم اللفظ لا لخصوص السبب لكن لا بد أن يثبت الحكم في السبب أولا وبالذات لأنه المقصود به قطعا ، ثم في غيره على ذلك الوجه ، والثابت عندنا في الستر في الطواف الوجوب ، حتى لو طاف عريانا أثم وحكم بسقوطه ، وفي الصلاة الافتراض حتى لا تصح دونه ، وما قيل لقيام الدليل بسقوط الافتراض في الطواف وهو الإجماع وهو في الصلاة منتف فيبقى على أصل الافتراض فيها فممنوع ثبوت الإجماع على ذلك ، ولو سلم لا يدفع السؤال وهو أنه كيف تناول السبب على وجه دونه في غيره ، ثم يستلزم أن يراد به الحقيقي والمجازي معا لأنه إن كان قطعي الدلالة فموجبه الافتراض ليس غير .

وإن كان ظنيها [ ص: 257 ] فالوجوب ليس غير ، وهما حقيقتان متباينتان لأن عدم الإكفار بالجحد مأخوذ في مفهوم الوجوب ونقيضه في مفهوم الفرض ، أو هما فردا مفهوم واحد هو مفهومه وهو الطلب الجازم أعم من كونه على هذا الوجه من القوة أولا ، والمشكك الأعم لا يعرف استعماله في فردين من مفهومه في إطلاق واحد ، وقد يدفع باختيار الثاني وكونه بحيث يكفر جاحده مقتضاه إنما هو أثر قوة ثبوته قطعا عن الله وقطعية دلالته على مفهومه لا من نفس مفهومه ، فتأمل هذا يظهر لك عنده أن نفس حقيقة الوجوب والفرض ليس تمامهما مفهوم لفظ الأمر بل جزأهما وهو الطلب الجازم والجزء الآخر : أعني كونه بحيث يكفر جاحده أو لأثر كيفية ثبوت ذلك الأمر ودلالته .

وصح إضافة تمامها إلى الأمر بأن يقال : يفيد الوجوب الافتراض إذ لا شك في استفادة ثبوت تمام الحقيقة معه وبسببه ، لا أن معناه أنها بتمامها مدلول لفظه فتأمل ، وحينئذ فالإلزام الذي يتم هو الأول والله سبحانه وتعالى أعلم .

وحاصله لزوم افتراض الستر في الطواف بالآية وأنتم تنفونه أو الوجوب في الصلاة وأنتم تفرضونه ، والحق بعد ذلك أن الآية ظنية الدلالة في ستر العورة فمقتضاها الوجوب في الصلاة ومنهم من أخذ منها قطعية الثبوت ومن حديث { لا صلاة لحائض إلا بخمار } قطعية الدلالة في ستر العورة فيثبت الفرض بالمجموع ، وفيه ما لا يخفى بعد تسليم قطعية الدلالة في الحديث وإلا فهو قد اعترف في نظيره من نحو { لا وضوء لمن لم يسم } و { لا صلاة لجار المسجد } أنه ظني الدلالة ، ولا شك في ذلك لأن احتمال نفي الكمال قائم والأوجه الاستدلال بالإجماع على الافتراض في الصلاة كما نقله غير واحد من أئمة النقل إلى أن حدث بعض المالكية فخالف فيه كالقاضي إسماعيل وهو لا يجوز بعد تقرر الإجماع .

والحديث عن عائشة رضي الله عنها ترفعه { لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار } . رواه أبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن خزيمة في صحيحه ( قوله لقوله صلى الله عليه وسلم { عورة الرجل } ) روى [ ص: 258 ] الدارقطني عن عطاء بن يسار عن أبي أيوب قال : سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول { ما فوق الركبتين من العورة ، وما أسفل من السرة من العورة } وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { فإن ما تحت السرة إلى ركبته من العورة } رواه الدارقطني من حديث طويل ، وفيه سوار بن داود لينه العقيلي لكن وثقه ابن معين .

وعن عقبة بن علقمة عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الركبة من العورة } وعقبة هذا هو اليشكري ضعفه أبو حاتم والدارقطني ، وحديث { حتى يجاوز ركبته } لم يعرف ، وعلى هذا يسقط ترتيب البحث المذكور : أعني قوله وكلمة إلخ لأن تمامه متوقف على كون حديث الركبة مما يحتج به .

وله طريقان معنويان : وهما أن الغاية قد تدخل وقد تخرج والموضع موضع الاحتياط فحكمنا بدخولها احتياطا وإن الركبة ملتقى عظم العورة وغيرها فاجتمع الحلال والحرام ولا مميز ، وهذا في التحقيق وجه كون الموضع موضع الاحتياط




الخدمات العلمية