الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب المشركة اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة المشركة وهي أن تخلف المورثة زوجها وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأبيها وأمها ، فقال علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري : " للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين من الأم الثلث ، وسقط الإخوة والأخوات من الأب والأم " . وروى سفيان الثوري عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال : سئل علي عن الإخوة من الأم فقال : " أرأيتم لو كانوا مائة أكنتم تزيدونهم على الثلث ؟ " قالوا : لا ، قال : " فأنا لا أنقصهم منه شيئا " ؛ وجعل الإخوة والأخوات من الأب والأم عصبة في هذه الفريضة وقد حالت السهام دونهم .

وقال عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت : " للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين من الأم الثلث ، ثم يرجع الإخوة من الأب والأم على الإخوة من الأم فيشاركونهم فيكون الثلث الذي أخذوه بينهم سواء " وروى معمر عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه عن الحكم بن مسعود الثقفي قال : " شهدت عمر بن الخطاب أشرك الإخوة من الأب والأم مع الإخوة من الأم في الثلث ، فقال له رجل : قضيت عام الأول بخلاف هذا قال : كيف قضيت ؟ قال : جعلته للإخوة من الأم ولم تعط الإخوة من الأب والأم شيئا ، قال : تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا " .

وروي أن عمر كان لا يشرك بينهم حتى احتج الإخوة من الأب والأم فقالوا : يا أمير المؤمنين لنا أب وليس لهم أب ولنا أم كما لهم ، فإن كنتم حرمتمونا بأبينا فورثونا بأمنا كما ورثتم هؤلاء بأمهم واحسبوا أن أبانا كان حمارا ، أليس قد تراكضنا في رحم واحدة ؟ فقال عمر عند ذلك : صدقتم فأشرك بينهم وبين الإخوة من الأم في الثلث . وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد إلى قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومن تابعه في ترك الشركة بينهم ؛ والدليل على صحة القول الأول قوله تعالى وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث [ ص: 25 ] فنص على فرض الإخوة من الأم وهو الثلث ، وبين أيضا حكم الإخوة من الأب والأم في قوله تعالى : يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إلى قوله تعالى : وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين فلم يجعل الله لهم فرضا مسمى وإنما جعل لهم المال على وجه التعصيب للذكر مثل حظ الأنثيين ؛ ولا خلاف أنها لو تركت زوجا وأما وأخا لأم وإخوة وأخوات لأب وأم أن للزوج النصف وللأم السدس وللأخ من الأم السدس وما بقي وهو السدس بين الإخوة والأخوات من الأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين ولم يدخلوا مع الأخ من الأم في نصيبه ، فلما كانوا مع ذوي السهام إنما يستحقون باقي المال بالتعصيب لا بالفرض لم يجز لنا إدخالهم مع الإخوة من الأم في فرضهم ؛ لأن ظاهر الآية ينفي ذلك ؛ إذ كانت الآية إنما أوجبت لهم ما يأخذونه للذكر مثل حظ الأنثيين بالتعصيب لا بالفرض ، فمن أعطاهم بالفرض فهو خارج عن حكم الآية ؛ ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر فجعل للعصبة بقية المال بعد أخذ ذوي السهام سهامهم ، فمن أشركهم مع ذوي السهام وهم عصبة فقد خالف الأثر .

فإن قيل : لما اشتركوا في نسب الأم وجب أن لا يحرموا بالأب . قيل له : هذا غلط ؛ لأنها لو تركت زوجا وأما وأخا لأم وإخوة وأخوات لأب وأم أخذ الأخ من الأم السدس كاملا وأخذ الإخوة والأخوات من الأب والأم السدس الباقي بينهم ، وعسى يصيب كل واحد منهم أقل من العشر ، ولم يكن لواحد منهم أن يقول قد حرمتموني بالأب مع اشتراكنا في الأم ، بل كان نصيب الأخ من الأم أوفر من نصيب كل واحد منهم ، فدل ذلك على معنيين :

أحدهما : انتقاض العلة بالاشتراك في الأم .

والثاني : أنهم لم يأخذوا بالفرض وإنما أخذوا بالتعصيب .

ويدل على فساد ذلك أيضا أنها لو تركت زوجا وأختا لأب وأم وأختا وأخا لأب أن للزوج النصف وللأخت من الأب والأم النصف ولا شيء للأخ والأخت من الأب ؛ لأنهما عصبة ، فلا يدخل مع ذوي السهام . ولم يجز أن يجعل من الأب بمنزلة من لم يكن حتى تستحق الأخت من الأب سهمها الذي كانت تأخذه في حال الانفراد عن الأخ ، وإنما التعصيب أخرجها عن السدس الذي كانت تستحقه ، كذلك التعصيب يخرج الإخوة من الأب والأم عن الثلث الذي يستحقه الإخوة من الأم ؛ والله أعلم .

[ ص: 26 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية