الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويندب أن يشاور ) المجتهد ولو في الفتوى وغيره حيث لا معتمد متيقن في مذهبه في تلك الواقعة بسائر توابعها ومقاصدها فيما يظهر عند تعارض الأدلة [ ص: 136 ] والمدارك ( الفقهاء ) العدول الموافقين ، والمخالفين لقوله تعالى { وشاورهم في الأمر } ، ومنه أخذ رد قول القاضي : لا يشاور من هو دونه . وأيضا قد يكون عند المفضول في بعض المسائل ما ليس عند الفاضل . وفي وجه تحرم المباحثة مع الفاسق ويتعين ترجيحه إن قصد بها إيناسه ؛ لأنه حرام كما صرحوا به ( وأن لا يشتري ويبيع ) ويعامل مع وجود من يوكله ( بنفسه ) في عمله بل يكره له ؛ لئلا يحابى ( ، ولا يكون له وكيل معروف ) ؛ لئلا يحابي أيضا . ( فإن ) كان وجه هذا التفريع أن مباشرته لنحو البيع وعلم وكيله لما كانا مظنة لمحاباته التي هي في حكم الهدية فرع حكمها عليهما وحينئذ قد يؤخذ من ذلك ما لم أر من تعرض له ، وهو أنه لو بيع له شيء بدون ثمن المثل حرم عليه قبوله ، وهو متجه ، وإن كان قولهم : لئلا يحابي تعليلا للكراهة قد يقتضي حل قبول المحاباة ( أهدى إليه ) ، أو ضيفه ، أو وهبه ، أو تصدق عليه فرضا أو نفلا على ما يأتي ( من له خصومة ) ، أو من أحس منه أنه سيخاصم ، وإن كان بعضه على الأوجه ؛ لئلا يمتنع من الحكم عليه ، أو كان يهدي قبل الولاية ( أو ) من لا خصومة له و ( لم يهد ) إليه شيئا ( قبل ولايته ) ، أو كان يهدي إليه قبلها لكنه زاد في القدر ، أو الوصف ( حرم عليه قبولها ) ، ولا يملكها ؛ لأنها في الأولى توجب الميل إليه وفي الثانية سببها الولاية .

                                                                                                                              وقد صرحت الأخبار الصحيحة بتحريم هدايا العمال بل صح عن تابعي أخذه الرشوة يبلغ به الكفر أي إن استحل ، أو أنها سبب له ، ومن ثم جاء المعاصي يريد الكفر وإنما حلت له صلى الله عليه وسلم الهدايا بالعصمة . وفي خبر أنه أحلها لمعاذ ، فإن صح فهو من خصوصياته أيضا وسواء أكان المهدي من أهل عمله أم من غيره ، وقد حملها إليه ؛ لأنه صار في عمله فلو جهزها له مع رسوله وليس له محاكمة فوجهان إن رجح شارح منهما الحرمة . ولا يحرم عليه قبولها في غير عمله و إن كان المهدي من أهل عمله ما لم يستشعر بأنها مقدمة لخصومة . ومتى بذل له مال ليحكم بغير حق ، أو ليمتنع من حكم بحق فهو الرشوة المحرمة إجماعا . ومثله ما لو امتنع من الحكم بالحق إلا بمال لكنه أقل إثما ، وقد قال صلى الله عليه وسلم { : لعن الله الراشي ، والمرتشي في الحكم } وفي رواية ، والرائش ، وهو الماشي بينهما ومحله في راش لباطل [ ص: 137 ] أما من علم أخذ ماله بباطل لولا الرشوة فلا ذم عليه . وحكم الرائش حكم موكله ، فإن توكل عنهما عصى مطلقا ( تنبيه )

                                                                                                                              محل قولنا : لكنه أقل إثما ، أما إذا كان له رزق من بيت المال ، وإلا وكان ذلك الحكم مما يصح الاستئجار عليه وطلب أجرة مثل عمله فقط جاز له طلبها وأخذها عند كثيرين وامتنع عند آخرين قيل : والأول أقرب ، والثاني أحوط قال السبكي : ولمفت لم ينحصر الأمر فيه الامتناع من الإفتاء إلا بجعل ، وكذا المحكم وفارقا الحاكم بأنه نصب للفصل أي : فيتهم ولو قيل بأنهما مثله له لكان مذهبا محتملا . ا هـ . وعلى الأول فمحله إن كان ما يأخذ عليه فيه كلفة تقابل بأجرة وحينئذ لا فرق بين العيني وغيره بناء على الأصح أن العيني المقابل بالأجرة لمن تعين عليه الامتناع منه إلا بالأجرة . ولعل ما قاله السبكي مبني على الضعيف أن العيني لا يجوز أخذ الأجرة عليه مطلقا وكأنه بنى على هذا قوله أيضا : يجوز البذل لمن يتحدث له في أمر جائز يقابل بأجرة عند ذي سلطان إن لم يكن المتحدث مرصدا لمثلها بحيث يجب عليه فقوله : إن إلخ إنما يأتي على الضعيف كقوله لا يجوز الأخذ على شفاعة واجبة قال : وكذا مباحة بشرط عوض إن جعل العوض جزاء لها .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              . ( قوله : ويتعين ترجيحه ) كتب عليه م ر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : المجتهد إلخ ) بالنصب مفعول يشاور وقول المصنف الآتي : الفقهاء بدل منه ومن قوله : وغيره المعطوف على المجتهد ولو عكس لكان أحسن مزجا . ( قوله : في تلك الواقعة ) كقوله الآتي : عند تعارض إلخ متعلق بيشاور ( قوله : عند تعارض الأدلة إلخ ) ، أما الحكم المعلوم بنص أو إجماع ، أو قياس جلي [ ص: 136 ] فلا مغني ونهاية قال الرشيدي : قوله : المعلوم بنص أي : ولو نص إمامه إذا كان مقلدا كما هو ظاهر فليراجع . ا هـ . ( قول المتن : الفقهاء ) المراد بهم كما قال جمع من الأصحاب الذين يقبل قولهم في الإفتاء فيدخل الأعمى ، والعبد ، والمرأة ويخرج الفاسق ، والجاهل قال القاضي حسين : وإذا أشكل الحكم تكون المشاورة واجبة ، وإلا فمستحبة انتهى . ا هـ . مغني . ( قوله : العدول ) ولا يشاور غير عالم ولا عالما غير أمين . ا هـ . نهاية أي : لا يجوز ع ش . ( قوله : ومنه أخذ ) إلى قوله : وفي وجه في المغني وإلى قوله : لأنه حرام في النهاية . ( قول المتن : وأن لا يشتري ويبيع إلخ ) نعم ينبغي أن يستثنى بيعه من أصوله أو فروعه لانتفاء المعنى ؛ إذ لا ينفذ حكمه لهم . ا هـ . نهاية أقول استثناؤه هنا للأبعاض وموافقته للشارح في عدم استثنائهم فيما يأتي في الهدية مما يقضي منه العجب لتأتي التعليل الآتي هناك هنا وهو ؛ لئلا يمتنع من الحكم عليه فليتأمل . ا هـ . سيد عمر وفي الرشيدي ما يوافقه عبارة المغني واستثنى الزركشي معاملة أبعاضه لانتفاء المعنى ؛ إذ لا ينفذ حكمه لهم ، وما قاله لا يأتي مع التعليل الأول . ا هـ . وهو لئلا يشتغل قلبه عما هو بصدده . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ويعامل إلخ ) عبارة المغني ، والنهاية وفي معنى البيع ، والشراء السلم ، والإجارة وسائر المعاملات ونص في الأم على أنه لا ينظر في نفقة عياله ولا أمر ضيعته بل يكل ذلك إلى غيره ليتفرغ قلبه . ا هـ . أي : يستحب له ذلك ع ش . ( قوله : مع وجود من يوكله ) ، فإن لم يجد وكيلا عقد بنفسه للضرورة ، وإن وقعت لمن عامله خصومه أناب ندبا غيره في فصلها خوف الميل إليه مغني ونهاية . ( قوله : في عمله ) أي : محل ولايته ، والجار متعلق بيعامل . ا هـ . مغني . ( قوله : لئلا يحابى ) أي : فيميل قلبه إلى من يحابيه إذا وقع بينه وبين غيره خصومة ، والمحاباة فيها رشوة ، أو هدية وهي محرمة . ا هـ . مغني . ( قوله : وعلم وكيله إلخ ) عطف على اسم أن ( قوله : أو ضيفه ) إلى قوله : وإنما حلت في المغني إلا قوله : أو من أحس إلى ، أو كان وإلى قوله : قال السبكي في النهاية : إلا قوله : بل صح إلى وإنما حلت . ( قوله : أو ضيفه إلخ ) وهل يجوز لغير القاضي ممن حضر ضيافته الأكل أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الجواز لانتفاء العلة فيهم ، ومعلوم أن محل ذلك إذا قامت قرينة على رضا المالك بأكل الحاضرين من ضيافته ، وإلا فلا يجوز ويأتي مثل هذا التفصيل في سائر العمال ومنه ما جرت العادة به من إحضار طعام لشاد البلد ، أو نحوه من الملتزم ، أو الكاتب . ا هـ . ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : أو تصدق عليه فرضا ) أي إن لم يتعين الدفع إليه . ا هـ . مغني . ( قوله : على ما يأتي ) أي في شرح بقدر العادة . ( قول المتن : من له إلخ ) وقد يقال أخذا من التعليل : أو لبعضه أو لنحو قريبه الذي يسعى له حين الخصومة كما هو المعروف في زمننا . ( قول المتن : من له خصومة ) أي : في الحال عنده . ا هـ . مغني . ( قوله : أو كان يهدي إليه قبلها لكنه إلخ ) هذا مكرر مع ما يأتي في المتن . ( قوله : ولا يملكها ) أي : لو قبلها ويردها على مالكها ، فإن تعذر وضعها في بيت المال . ا هـ . مغني . ( قوله : وقد صرحت إلخ ) راجع للأولى ، والثانية معا . ( قوله : أخذه ) أي : القاضي . ا هـ . مغني وكذا ضمير يبلغ . ( قوله : وسواء ) إلى قوله ولا يحرم في المغني . ( قوله : فلو جهزها إلخ ) عبارة المغني : وقضية كلامهم أنه لو أرسلها إليه في محل ولايته ولم يدخل بها حرمت وهو كذلك ، وإن ذكر فيها الماوردي وجهين ( تنبيه )

                                                                                                                              يستثنى من ذلك هدية أبعاضه كما قال الأذرعي : إذ لا ينفذ حكمه لهم . ا هـ . وتقدم مثله عن النهاية مع ما فيه عن السيد عمر والرشيدي ( قوله : حج شارح إلخ ) عبارة النهاية أوجههما الحرمة . ا هـ . ( قوله : ولا يحرم عليه إلخ ) خلافا لإطلاق المغني . ( قوله : بأنها مقدمة لخصومة ) أي : فيحرم قبولها وإن كان المهدي من غير محل عمله . ا هـ . ع ش . ( قوله : ومتى بذل ) إلى قوله : إجماعا في المغني . ( قوله : [ ص: 137 ] أما من علم إلخ ) المراد به ما يشمل الظن كما هو ظاهر ( قوله : عنهما ) أي : الراشي ، والمرتشي وقوله : مطلقا أي : سواء كان الراشي لحق ، أو باطل . ( قوله : مما يصح الاستئجار عليه ) أي بأن كان فيه كلفة تقابل بأجرة . ( قوله : لم ينحصر الأمر فيه ) أي لم يتعين للإفتاء لوجود صالح له غيره . ( قوله : وعلى الأول ) أي : جواز أخذ الجعل . ( قوله : بين العيني ) أي : المتعين للإفتاء . ( قوله : أن العيني ) أي : الواجب العيني . ( قوله : ولعل إلخ ) كان الظاهر التفريع . ( قوله : ما قاله السبكي ) أي : تقييده المغني بقوله : لم ينحصر الأمر فيه . ( قوله : مطلقا ) أي قابل بالأجرة أم لا . ( قوله : يجوز البذل ) أي : وأخذه وقبوله ( قوله : المتحدث ) بكسر الدال ( قوله مرصدا ) أي : معينا لمثلها أي : شغلة التحدث .




                                                                                                                              الخدمات العلمية