الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وأما لبن ما لا يؤكل لحمه غير الآدمي ففيه وجهان قال أبو سعيد الإصطخري : هو طاهر ; لأنه حيوان طاهر فكان لبنه طاهرا كالشاة [ والبقرة ] والمنصوص أنه نجس ; لأن اللبن كلحم المذكى بدليل أنه يتناول من الحيوان ويؤكل كما يتناول اللحم المذكى ، ولحم ما لا يؤكل نجس فكذا لبنه ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : الألبان أربعة أقسام : ( أحدها ) : لبن مأكول اللحم كالإبل والبقر والغنم والخيل والظباء وغيرها من الصيود وغيرها ، وهذا طاهر بنص القرآن والأحاديث الصحيحة والإجماع .

                                      ( والثاني ) : لبن الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما وهو نجس بالاتفاق .

                                      ( الثالث ) : لبن الآدمي وهو طاهر على المذهب وهو المنصوص ، وبه قطع الأصحاب إلا صاحب الحاوي فإنه حكى عن الأنماطي من أصحابنا أنه نجس ، وإنما يحل شربه للطفل للضرورة ذكره في كتاب البيوع وحكاه الدارمي في أواخر كتاب السلم وحكاه هناك الشاشي والروياني وهذا ليس بشيء ، بل هو خطأ ظاهر ، وإنما حكى مثله للتحذير من الاغترار به وقد نقل الشيخ أبو حامد في تعليقه عقب كتاب السلم إجماع المسلمين على طهارته ، قال الروياني في آخر باب بيع الغرر : إذا قلنا بالمذهب إن الآدمية لا تنجس بالموت فماتت وفي ثديها لبن فهو طاهر يجوز شربه وبيعه .

                                      ( الرابع ) : لبن سائر الحيوانات الطاهرة غير ما ذكرنا ، والصحيح [ ص: 588 ] المنصوص : نجاستها ، وقال الإصطخري : طاهرة وقد ذكر المصنف دليل الوجهين ، وممن قال بطهارته أبو حنيفة ، وبنجاسته مالك وأحمد وداود ، فإن قلنا بالطهارة فهل يحل شربه ؟ فيه وجهان حكاهما المتولي وغيره ( أصحهما ) : جواز شربه ; لأنه طاهر ( والثاني ) : تحريمه ، وبه قطع الغزالي في البسيط ; لأنه يقال إنه يؤذي ، ولأنه مستقذر فأشبه المخاط وجمع جماعة هذا الخلاف وحكى الدارمي في آخر كتاب السلم في لبن الأتان ونحوها ثلاثة أوجه ، ( الصحيح ) أنه نجس لا يجوز بيعه ( والثاني ) : أنه طاهر ويجوز بيعه وشربه ( والثالث ) : طاهر لا يجوز بيعه ولا شربه . وقول المصنف : لبن ما لا يؤكل غير الآدمي ، فيه وجهان : إطلاقه يقتضي دخول الكلب والخنزير ، وكان ينبغي أن يقول من الحيوان الطاهر ، وكأنه ترك بيانه لظهوره والله أعلم .



                                      ( فرع ) الإنفحة إن أخذت من السخلة بعد موتها أو بعد ذبحها وقد أكلت غير اللبن فهي نجسة بلا خلاف ، وإن أخذت من سخلة ذبحت قبل أن تأكل غير اللبن فوجهان ، الصحيح الذي قطع به كثيرون طهارتها ; لأن السلف لم يزالوا يجبنون بها ولا يمتنعون من أكل الجبن المعمول بها .

                                      وحكى العبدري عن مالك وأحمد في أصح الروايتين عنه نجاسة الإنفحة الميتة كمذهبنا ، وعن أبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى أنها طاهرة كالبيض .

                                      دليلنا أنها جزء من السخلة فأشبهت اليد بخلاف البيضة فإنها ليست جزءا .

                                      ولنا في البيضة في جوف الدجاجة الميتة ثلاثة أوجه سبقت في باب الآنية ( أحدها ) : أنها طاهرة ( والثاني ) : نجسة ( وأصحها ) : إن كانت تصلبت فطاهرة وإلا فنجسة ، وأما اللبن في ضرع شاة ميتة فنجس عندنا بلا خلاف ، وسبق بيانه في باب الآنية والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية