الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      [ ص: 565 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : باب إزالة النجاسة ( والنجاسة هي البول والقيء والمذي والودي ومني غير الآدمي والدم والقيح وماء القروح والعلقة والميتة والخمر والنبيذ والكلب والخنزير وما ولد منهما وما تولد من أحدهما ، ولبن ما لا يؤكل غير الآدمي ورطوبة فرج المرأة ، وما تنجس بذلك ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : في هذه القطعة مسألتان : ( إحداهما ) في لغات النجاسة وحدها .

                                      قال أهل اللغة : النجس هو القذر ، قالوا : ويقال شيء نجس ، ونجس بكسر الجيم وفتحها ، والنجاسة الشيء المستقذر ، ونجس الشيء ينجس ، كعلم يعلم .

                                      قال صاحب المحكم : النجس ، والنجس ، والنجس ، القذر من كل شيء ، يعني بكسر النون وفتحها مع إسكان الجيم فيهما ، وبفتحهما جميعا ، قالوا : ورجل نجس ونجس ، يعني بفتح الجيم وكسرها مع فتح النون فيهما ، الجمع أنجاس ، قال وقيل النجس يكون للواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد ، فإذا كسروا النون ثنوا وجمعوا ، وهي النجاسة ، وقد أنجسه ونجسه .

                                      وأما حد النجاسة في اصطلاح الفقهاء ، فقال المتولي : حدها كل عين حرم تناولها على الإطلاق مع إمكان التناول لا لحرمتها .

                                      قال : وقولنا : على الإطلاق احتراز من السموم التي هي نبات ، فإنها لا يحرم تناولها على الإطلاق ، بل يباح القليل منها وإنما يحرم الكثير الذي فيه ضرر .

                                      قال : وقولنا : مع إمكان التناول احتراز من الأشياء الصلبة ; لأنه لا يمكن تناولها ، وقولنا : لا لحرمته احتراز من الآدمي ، وهذا الذي حدد به المتولي ليس محققا فإنه يدخل فيه التراب والحشيش المسكر والمخاط والمني وكلها طاهرة مع أنها محرمة .

                                      وفي المني وجه أنه يحل أكله ، فينبغي أن يضم إليها لا لحرمتها أو استقذارها أو ضررها في بدن أو عقل والله أعلم .

                                      ( الثانية ) : هذه العبارة التي ذكرها إنما يطلقها الفقهاء للحصر ، وهي موضوعة للحصر عند الجمهور من أصحابنا وغيرهم من أهل الأصول [ ص: 566 ] والكلام ، وإذا علم أنها للحصر فكأنه قال : لا نجاسة إلا هذه المذكورات ; وهذا الحصر صحيح ، فإن قيل : يرد عليه أشياء من النجاسة مختلف فيها ، منها شعر ما لا يؤكل إذا انفصل في حياته فإنه نجس على المذهب كما سبق في باب الآنية . ومنها الجدي إذا ارتضع كلبة أو خنزيرة فنبت لحمه على لبنها ففي نجاسته وجهان حكاهما صاحب المستظهري وغيره أظهرهما أنه طاهر .

                                      ومنها الماء الذي ينزل من فم الإنسان في حال النوم ، فيه خلاف وتفصيل سنذكره في مسائل الفرع إن شاء الله تعالى .

                                      فالجواب عن الأول أن شعر ما لا يؤكل إذا انفصل في حياته يكون ميتة ، فهو داخل في قوله : والميتة . فقد علم أن ما انفصل من حي فهو ميت ، ولا يحتاج أن يتكلف فيقول ; إنما لم يذكر الشعر هنا ; لأنه ذكره في باب الآنية ، بل الاعتماد على ما ذكرته .

                                      والجواب عن الجدي والماء أنه اختار طهارتهما .

                                      وأما المني والمذي والودي فسبق بيان صفاتها ولغاتها في باب ما يوجب الغسل ، وسبق الغائط في الاستطابة .

                                      والخمر مؤنثة ويقال فيها خمره بالهاء في لغة قليلة ، وقد غلط من أنكرها على الغزالي رحمه الله ، وقد بينت ذلك في تهذيب الأسماء واللغات واختلف أهل العربية في نون خنزير هل هي أصل أم زائدة ؟ والأظهر : أنها أصلية كعرنيب .

                                      وأما قوله : ورطوبة فرج المرأة كان الأولى أن يحذف المرأة ويقول ورطوبة الفرج ، فإن الحكم في رطوبة فرج المرأة وسائر الحيوانات الطاهرة سواء كما سنوضحه في موضعه إن شاء الله تعالى .




                                      الخدمات العلمية