الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل : في بيان النجاسات وهي إما حيوان ، أو جماد ، أما الحيوان فقد تقدم ذكره وما تحلل من ظاهره مثل ريقه ودمعه وعرقه فهو مثله ، وأما روث غير المأكول وبوله فهو نجس بكل حال ، إلا ما لا نفس له سائلة ، فإن روثه وبوله وجميع رطوباته طاهرة ، وكذلك لبن غير المأكول كالحمر لا يجوز شربه للتداوي ولا غيره ، سواء قلنا بطهارة ظاهرة أو لا ، إلا لبن الآدمي فإنه طاهر .

وأما الشعر : فحكمه حكم ميتته في ظاهر المذهب ، وعنه أنه طاهر مطلقا ، والقيء نجس لأن النبي صلى الله عليه وسلم " قاء فتوضأ " وسواء أريد [ ص: 109 ] غسل يده أو الوضوء الشرعي لأنه لا يكون إلا عن نجاسة .

فأما بلغم المعدة فطاهر في أقوى الروايتين ، كبلغم الرأس وفي الأخرى هو نجس كالقيء والبيض واللبن في أحد الوجهين ، وفي الآخر كالولد .

وأما المني فكاللبن مطلقا . وأما الجماد فالميتة ، وقد ذكرها في الآنية ، والدم كله نجس ، وكذلك المدة ، والقيح ، والصديد ، وماء القروح المتغير على ما ذكرناه من العفو عن يسيره ، إلا الدماء المأكولة كالكبد ، والطحال ، وما بقي على اللحم بعد السفح ، ودم السمك رواية واحدة . وإلا الدماء التي ليست سائلة كدم الذباب ، والبق ، والبراغيث في أقوى الروايتين ، إلا دم الشهيد ما دام عليه لأن الشارع أمر بإبقائه عليه مع كثرته فلو حمله مصل لم تبطل صلاته .

وإلا العلقة في وجه كالطحال والمني ، والصحيح أنها نجسة . وسواء استحالت عن مني أو عن بيض ، والمائعات المسكرة كلها نجسة لأن الله سماها رجسا ، والرجس هو القذر والنجس الذي يجب اجتنابه وأمر باجتنابها مطلقا وهو يعم الشرب والمس وغير ذلك ، وأمر بإراقتها ولعن النبي صلى الله عليه وسلم عينها فهي كالدم وأولى لامتيازها عليه بالحد وغيره .

[ ص: 110 ] ولا يجوز القصد إلى تخليلها فإن خللت لم تطهر في المنصوص المشهور ، لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر تتخذ خلا قال : " لا " . رواه مسلم وغيره .

وعنه أيضا أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا فقال : " أهرقها " قال : أفلا نجعلها خلا قال : " لا " .رواه أحمد وأبو داود ، وقيل عنه تطهر ، وقيل بنقلها من مكان إلى مكان دون إلقاء شيء فيها ، فأما إن ابتدأ الله قلبها طهرت وإن أمسكها كذلك ، سواء ليتخذ العصير للخل أو للخمر في المشهور ، وقيل : إن اتخذه للخمر ثم أمسكه حتى تخلل لم تطهر والأول أصح لقول عمر : " لا تأكل خلا من خمر أفسدت حتى يبدأ الله بفسادها ، وذلك حين طاب الخل ، ولا بأس على امرئ أصاب خلا من أهل الكتاب أن يبتاعه ما لم يعلم أنهم تعمدوا إفسادها " . رواه سعيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية