الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : اعلم أن دم الحيض موصوف بصفات حقيقية ويتفرع عليه أحكام شرعية ، أما الصفات الحقيقية فأمران :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : المنبع ، ودم الحيض دم يخرج من الرحم ، قال تعالى : ( ولا ) [ ص: 56 ] ( يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ) [البقرة : 228] قيل في تفسيره : المراد منه الحيض والحمل ، وأما دم الاستحاضة ، فإنه لا يخرج من الرحم ، لكن من عروق تنقطع في فم الرحم ، قال عليه السلام في صفة دم الاستحاضة : " إنه دم عرق انفجر " ، وهذا الكلام يؤيد ما ذكرنا في دفع النقض عن تعليل القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                            والنوع الثاني : من صفات دم الحيض : الصفات التي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم دم الحيض بها :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه أسود .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه ثخين .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أنه محتدم ، وهو المحترق من شدة حرارته .

                                                                                                                                                                                                                                            والرابعة : أنه يخرج برفق ولا يسيل سيلانا .

                                                                                                                                                                                                                                            والخامسة : أن له رائحة كريهة بخلاف سائر الدماء ; وذلك لأنه من الفضلات التي تدفعها الطبيعة .

                                                                                                                                                                                                                                            السادسة : أنه بحراني ، وهو شديد الحمرة ، وقيل : ما تحصل فيه كدورة تشبيها له بماء البحر ، فهذه الصفات هي الصفات الحقيقية .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم من الناس من قال : دم الحيض يتميز عن دم الاستحاضة ، فكل دم كان موصوفا بهذه الصفات فهو دم الحيض ، وما لا يكون كذلك لا يكون دم حيض ، وما اشتبه الأمر فيه فالأصل بقاء التكاليف ، وزوالها إنما يكون لعارض الحيض ، فإذا كان غير معلوم الوجود بقيت التكاليف التي كانت واجبة على ما كان .

                                                                                                                                                                                                                                            ومن الناس من قال : هذه الصفات قد تشتبه على المكلف ، فإيجاب التأمل في تلك الدماء وفي تلك الصفات يقتضي عسرا ومشقة ، فالشارع قدر وقتا مضبوطا متى حصلت الدماء فيه كان حكمها حكم الحيض كيف كانت تلك الدماء ، ومتى حصلت خارج ذلك الوقت لم يكن حكمها حكم الحيض كيف كانت صفة تلك الدماء ، والمقصود من هذا إسقاط العسر والمشقة عن المكلف ، ثم إن الأحكام الشرعية للحيض هي المنع من الصلاة والصوم ، واجتناب دخول المسجد ومس المصحف وقراءة القرآن ، وتصير المرأة به بالغة ، والحكم الثابت للحيض بنص القرآن إنما هو حظر الجماع على ما بينا كيفية دلالة الآية عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية