الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              وأيضا فليست الصلاة مبنية إلا على الثناء على الله عز وجل .

              وروى مسلم وغيره عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال : " اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد ، أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد " .

              وروى مسلم وغيره عن عبد الله بن أبي أوفى قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع يقول : سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد " .

              وفي رواية أخرى لمسلم زاد بعد هذا أنه كان يقول : " اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس " .

              فإن قيل : فإذا كانت هذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي اتفق الصحابة رضي الله عنهم على نقلها عنه ، وقد نقلها أهل الصحاح والسنن والمسانيد من هذه الوجوه وغيرها ، والصلاة عمود الدين ، فكيف خفي ذلك على طائفة من فقهاء العراق وغيره حتى لم يجعلوا الاعتدال من الركوع والقعود بين السجدتين من الأفعال المقارنة للركوع [ ص: 99 ] والسجود ، ولا استحبوا في ذلك ذكرا أكثر من التحميد بقول : " ربنا لك الحمد " حتى إن بعض المتفقهة قال : إذا طال ذلك طولا كثيرا بطلت صلاته .

              قيل : سبب ذلك وغيره أن الذي مضت به السنة أن الصلاة يصليها بالمسلمين الأمراء وولاة الحرب ، فوالي الجهاد هو كان أمير الصلاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ، وما بعد ذلك إلى أثناء دولة بني العباس ، والخليفة هو الذي يصلي بالناس الصلوات الخمس والجمعة ، لا يعرف المسلمون غير ذلك ، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما سيكون بعده من تغير الأمراء ، حتى قال : " سيكون من بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة " ، فكان من هؤلاء من يؤخرها عن وقتها حتى يضيع الوقت المشروع فيها ، كما أن بعضهم كان لا يتم التكبير أي لا يجهر بالتكبير في انتقالات الركوع وغيره ، ومنهم من لا يتم الاعتدالين ، وكان هذا يشيع في الناس فيربو في ذلك الصغير ويهرم فيه الكبير ، حتى إن كثيرا من خاصة الناس لا يظن السنة إلا ذلك .

              فإذا جاء أمراء أحيوا السنة عرف ذلك ، كما رواه البخاري في صحيحه عن قتادة ، عن عكرمة قال : " صليت خلف شيخ بمكة فكبر اثنين وعشرين تكبيرة ، فقلت لابن عباس : إنه لأحمق ، فقال : ثكلتك أمك ، سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم " .

              وفي رواية أبي بشر عن عكرمة قال : " رأيت رجلا عند المقام يكبر في كل خفض ورفع ، وإذا قام وإذا وضع ، فأخبرت ابن عباس [ ص: 100 ] فقال : أوليس تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أم لك ؟ " .

              وهذا يعني به : أن ذلك الإمام كان يجهر بالتكبير ، فكان الأئمة الذين يصلي خلفهم عكرمة لا يفعلون ذلك ، وابن عباس لم يكن إماما حتى يعرف ذلك منه ، فأنكر ذلك عكرمة حتى أخبره ابن عباس ، وأما نفس التكبير فلم يكن يشتبه أمره على أحد ، وهذا كما أن عامة الأئمة المتأخرين لا يجهرون بالتكبير بل يفعل ذلك المؤذن ونحوه ، فيظن أكثر الناس أن هذه هي السنة ، ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه ليست هي السنة ، بل هم متفقون على ما ثبت عندهم بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المؤذن وغيره من المأمومين لا يجهرون بالتكبير دائما ، كما أن بلالا لم يكن يجهر بذلك خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن إذا احتيج إلى ذلك لضعف صوت الإمام أو بعد المكان فهذا قد احتجوا لجوازه بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يسمع الناس التكبير خلف النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه ، حتى تنازع الفقهاء في جهر المأموم لغير حاجة هل يبطل صلاته أم لا ؟ .

              ومثل ذلك ما أخرجاه في الصحيحين والسنن عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، قال : " صليت خلف علي بن أبي طالب أنا وعمران بن حصين فكان إذا سجد كبر وإذا رفع رأسه كبر وإذا نهض من الركعتين كبر ، فلما قضى الصلاة أخذ عمران بن حصين بيدي فقال : قد ذكرني هذا بصلاة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو قال : لقد صلى بنا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم " ولهذا لما جهر بالتكبير سمعه عمران ومطرف كما سمعه غيرهما .

              [ ص: 101 ] ومثل هذا ما في الصحيحين والسنن أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه : " أنه كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يقوم من الجلوس من الثنتين ، يفعل ذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة ، ثم يقول حين ينصرف : والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبها بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا " .

              وهذا كان يفعله أبو هريرة رضي الله عنه لما كان أميرا على المدينة ، فإن معاوية كان يعاقب بينه وبين مروان بن الحكم في إمارة المدينة ، فيولي هذا تارة ويولي هذا تارة ، وكان مروان يستخلف وكان أبو هريرة يصلي بهم بما هو أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة مروان وغيره من أمراء المدينة .

              وقوله : " في المكتوبة وغيرها " يعني : ما كان من النوافل مثل قيام رمضان ، كما أخرجه البخاري من حديث الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، وأبي سلمة : " أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها في رمضان وغيره ، فيكبر حين يقوم ويكبر حين يركع ، ثم يقول : سمع الله لمن حمده ، ثم يقول : ربنا لك الحمد " ، وذكر نحوه .

              وكان الناس قد اعتادوا ما يفعله غيره فلم يعرفوا ذلك حتى سألوه ، كما رواه مسلم من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة : " أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يكبر في الصلاة كلما رفع ووضع ، فقلت : يا أبا هريرة ما هذا التكبير ؟ قال : إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

              [ ص: 102 ] وهذا كله معناه جهر الإمام بالتكبير ؛ ولهذا كانوا يسمونه إتمام التكبير لما فيه من إتمامه برفع الصوت ، وفعله في كل خفض ورفع .

              يبين ذلك : أن البخاري ذكر في باب التكبير عند النهوض من الركعتين قال : وكان ابن الزبير يكبر في نهضته ، ثم روى البخاري من حديث فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث قال : صلى لنا أبو سعيد فجهر بالتكبير حين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين رفع وحين قام من الركعتين وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أردفه البخاري بحديث مطرف ، قال : " صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فكان إذا سجد كبر وإذا رفع كبر ، وإذا نهض من الركعتين كبر ، فلما سلم أخذ عمران بن حصين بيدي ، فقال : لقد صلى بنا هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو قال : لقد ذكرني هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم " .

              فهذا يبين أن الكلام إنما هو في الجهر بالتكبير ، وأما أصل التكبير فلم يكن مما يخفى على أحد ، وليس هذا أيضا مما يجهل هل يفعله الإمام أم لا يفعله ، فلا يصح لهم نفيه عن الأئمة كما لا يصح نفي القراءة في صلاة المخافتة ، ونفي التسبيح في الركوع والسجود ، ونفي القراءة في الركعتين الآخرتين ، ونحو ذلك ؛ ولهذا استدل بعض من كان لا يتم التكبير ولا يجهر به بما روي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه : " أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان لا يتم التكبير " ، رواه أبو داود ، والبخاري في التاريخ الكبير ، وقد حكى [ ص: 103 ] [ أبو داود ] الطيالسي أنه قال : هذا عندنا باطل ، وهذا إن كان محفوظا فلعل ابن أبزى صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم في مؤخر المسجد ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم صوته ضعيف فلم يسمع تكبيره ، فاعتقد أنه لم يتم التكبير ، وإلا فالأحاديث المتواترة عنه بخلاف ذلك ، فلو خالفها كان شاذا لا يلتفت إليه ، ومع هذا فإن كثيرا من الفقهاء المتأخرين يعتقدون أن إتمام التكبير هو نفس فعله ولو سرا ، وأن علي بن أبي طالب وأبا هريرة وغيرهما من الأئمة إنما أفادوا الناس نفس فعل التكبير في الانتقالات ، ولازم هذا أن عامة المسلمين ما كانوا يعرفون أن الصلاة لا يكبر في خفضها ولا رفعها .

              وهذا غلط بلا ريب ولا نزاع بين من يعرف كيف كانت الأحوال ، ولو كان المراد التكبير سرا لم يصح نفي ذلك ولا إثباته ، فإن المأموم لا يعرف ذلك من إمامه ولا يسمى ترك التكبير بالكلية تركا ؛ لأن الأئمة كانوا يكبرون عند الافتتاح دون الانتقالات ، وليس كذلك السنة ، بل الأحاديث المروية تبين أن رفع الإمام وخفضه كان في جميعها التكبير ، وقد قال إسحاق بن منصور : قلت لأحمد بن حنبل : " ما الذي نقصوا من التكبير ؟ قال : إذا انحط إلى السجود من الركوع ، وإذا أراد أن يسجد السجدة الثانية من كل ركعة " .

              فقد بين الإمام أحمد أن الأئمة لم يكونوا يتمون التكبير ، بل نقصوا التكبير في الخفض من القيام ومن القعود ، وهو كذلك ، والله أعلم ؛ لأن الخفض يشاهد بالأبصار فظنوا لذلك أن المأموم لا [ ص: 104 ] يحتاج إلى أن يسمع تكبيرة الإمام ؛ لأنه يرى ركوعه ويرى سجوده بخلاف الرفع من الركوع والسجود ، فإن المأموم لا يرى الإمام فيحتاج أن يعلم رفعه بتكبيره .

              ويدل على صحة ما قاله أحمد من حديث ابن أبزى أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يتم التكبير ، وكان لا يكبر إذا خفض ، هكذا رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن الحسن بن عمران ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه

              وقد ظن أبو عمر بن عبد البر كما ظن غيره أن هؤلاء السلف ما كانوا يكبرون في الخفض والرفع ، وجعل ذلك حجة على أنه ليس بواجب ؛ لأنهم لا يقرون الأمة على ترك واجب حتى إنه قد روي عن ابن عمر : " أنه كان يكبر إذا صلى وحده في الفرض ، وأما التطوع فلا " قال أبو عمر : لا يحكي أحمد عن ابن عمر إلا ما صح عنده إن شاء الله .

              قال : وأما رواية مالك عن نافع عن ابن عمر " أنه كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع " فيدل ظاهرها على أنه كذلك كان يفعل ، إماما وغير إمام ، قلت : ما روى مالك لا ريب فيه ، والذي ذكره أحمد لا يخالف ذلك ولكن غلط ابن عبد البر فيما فهم من كلام أحمد ؛ فإن كلامه إنما كان في التكبير دبر الصلاة أيام العيد الأكبر ، لم يكن التكبير في الصلاة ؛ ولهذا فرق أحمد بين الفرض والنفل ، فقال : " أحب إلي أن يكبر في الفرض دون النفل " ولم يكن أحمد ولا غيره يفرقون في [ ص: 105 ] تكبير الصلاة بين الفرض والنفل ، بل ظاهر مذهبه أن تكبير الصلاة واجب في النفل كما أنه واجب في الفرض ، وإن قيل : هو سنة في الفرض ، قيل : هو سنة في النفل ، فأما التفريق بينهما فليس قولا له ولا لغيره .

              وأما الذي ذكره عن ابن عمر في تكبيره دبر الصلاة إذا كان منفردا فهو مشهور عنه ، وهي مسألة نزاع بين العلماء مشهورة ، وقد قال ابن عبد البر لما ذكر حديث أبي سلمة : " أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يصلي لهم فيكبر كلما خفض ورفع ، فلما انصرف قال : والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم " فقال ابن عبد البر : إن الناس لم يكونوا كلهم يفعلون ذلك ، ويدل عليه ما رواه ابن أبي ذئب في موطئه عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : " ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن وتركهن الناس : كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدا ، وكان يقف قبل القراءة هنيهة يسأل الله من فضله ، وكان يكبر كلما رفع وخفض " قلت : هذه الثلاثة تركها طائفة من الأئمة والفقهاء ممن لا يرفع اليدين ولا يوجب التكبير ومن لا يستحب الاستفتاح والاستعاذة ، ومن لا يجهر من الأئمة بتكبير الانتقال .

              قال : وقد قال قوم من أهل العلم : إن التكبير إنما هو إيذان بحركات الإمام وشعار للصلاة وليس بسنة إلا في الجماعة ، أما من صلى وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر ؛ ولهذا ذكر مالك هذا الحديث وحديث ابن شهاب عن علي بن حسين قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع ، فلم تزل تلك [ ص: 106 ] صلاته حتى لقي الله عز وجل " وحديث ابن عمر وجابر رضي الله عنهم : " أنهما كانا يكبران كلما خفضا ورفعا في الصلاة " فكان جابر يعلمهم ذلك ، قال : فذكر مالك هذه الأحاديث كلها ؛ ليبين لك أن التكبير من سنن الصلاة .

              قلت : ما ذكره مالك فكما ذكره ، وأما ما ذكره ابن عبد البر من الخلاف فلم أجده ذكر لذلك أصلا إلا ما ذكره أحمد عن علماء المسلمين أن التكبير مشروع في الصلوات ، وإنما ذكر ذلك مالك وغيره - والله أعلم - لأجل ما كره من فعل الأئمة الذين كانوا لا يتمون التكبير ، وقد قال ابن عبد البر : روى ابن وهب : أخبرني عياض بن عبد الله الفهري : " أن عبد الله بن عمر كان يقول : لكل شيء زينة وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي فيها " وإذا كان ابن عمر يقول ذلك فكيف يظن به أنه لا يكبر إذا صلى وحده ؟ هذا لا يظنه عاقل بابن عمر .

              قال ابن عبد البر : وقد روي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وقتادة وغيرهم " أنهم كانوا لا يتمون التكبير " وذكر ذلك أيضا عن القاسم وسعيد بن جبير ، وروي عن أبي سلمة عن أبي هريرة " أنه كان يكبر هذا التكبير ويقول : إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، قال : وهذا يدل على أن التكبير في كل خفض ورفع كان الناس قد تركوه ، وفي ترك الناس له من غير نكير من واحد منهم ما يدل على أن الأمر محمول عندهم على الإباحة .

              قلت : لا يمكن أن يعلم إلا ترك الجهر به ، فأما ترك الإمام [ ص: 107 ] التكبير سرا فلا يجوز أن يدعى تركه إن لم يصل الإمام إلى فعله ، فهذا لم يقله أحد من الأئمة ولم يقل أحد : إنهم كانوا يتركون في كل خفض ورفع ، بل قالوا : كانوا لا يتمونه ، " ومعنى لا يتمونه " [ ينقصونه ] ونقصه عدم فعله في حال الخفض ، كما تقدم من كلامه ، وهو نقص بترك رفع الصوت به ، أو نقص له بترك ذلك في بعض المواضع .

              وقد روى ابن عبد البر ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " صليت خلف رسول الله صلى عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، رضي الله عنهم ، فكلهم كان يكبر إذا رفع رأسه وإذا خفض " قال : وهذا معارض لما روي عن عمر أنه كان لا يتم التكبير ، وروي عن سعيد بن عبد العزيز عن الزهري قال : " قلت لعمر بن عبد العزيز : ما منعك أن تتم التكبير ، وهذا عاملك [ عبد العزيز ] يتمه ؟ فقال : تلك صلاة الأول ، وأبى أن يقبل مني " .

              قلت : وإنما خفي على عمر بن عبد العزيز وعلى هؤلاء الجهر بالتكبير ، كما خفي ذلك على طوائف من أهل زماننا ، وقبله ما ذكره ابن أبي شيبة : أخبرنا جرير عن منصور عن إبراهيم قال : " أول من نقص التكبير زياد " .

              قلت : زياد كان أميرا في زمن عمر فيمكن أن يكون ذلك [ ص: 108 ] صحيحا ، ويكون زياد قد سن ذلك حين تركه غيره ، وروي عن الأسود بن يزيد عن أبي موسى الأشعري قال : " لقد ذكرنا علي صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إما نسيناها وإما تركناها عمدا ، وكان يكبر كلما رفع وكلما وضع وكلما سجد " .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية