الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

ثم أسلم حمزة عمه وجماعة كثيرون ، وفشا الإسلام فلما رأت قريش أمر [ ص: 27 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلو والأمور تتزايد ، أجمعوا على أن يتعاقدوا على بني هاشم وبني المطلب وبني عبد مناف ، أن لا يبايعوهم ، ولا يناكحوهم ، ولا يكلموهم ، ولا يجالسوهم ، حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة يقال : كتبها : منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم ، ويقال : النضر بن الحارث ، والصحيح : أنه بغيض بن عامر بن هاشم ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فشلت يده ، فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلا أبا لهب ، فإنه ظاهر قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبني هاشم وبني المطلب ، وحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه في الشعب شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع من البعثة ، وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة ، وبقوا محبوسين ومحصورين مضيقا عليهم جدا مقطوعا عنهم الميرة والمادة نحو ثلاث سنين ، حتى بلغهم الجهد وسمع أصوات صبيانهم بالبكاء من وراء الشعب ، وهناك عمل أبو طالب قصيدته اللامية المشهورة ، أولها :


جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا عقوبة شر عاجلا غير آجل



وكانت قريش في ذلك بين راض وكاره ، فسعى في نقض الصحيفة من كان كارها لها ، وكان القائم بذلك هشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب بن نصر بن مالك ، مشى في ذلك إلى المطعم بن عدي وجماعة من قريش فأجابوه إلى ذلك ، ثم أطلع الله رسوله على أمر صحيفتهم ، وأنه أرسل عليها الأرضة فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم إلا ذكر الله عز وجل ، فأخبر بذلك عمه ، فخرج إلى قريش فأخبرهم أن ابن أخيه قد قال كذا وكذا ، فإن كان كاذبا خلينا بينكم وبينه ، وإن كان صادقا رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا ، قالوا : قد أنصفت ، فأنزلوا الصحيفة ، فلما رأوا الأمر كما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ازدادوا كفرا إلى [ ص: 28 ]

كفرهم ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب . قال ابن عبد البر : بعد عشرة أعوام من المبعث ، ومات أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر ، وماتت خديجة بعده بثلاثة أيام ، وقيل : غير ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية