الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      ( والعباد فاعلون حقيقة ، والله خلق أفعالهم ) .

      والعبد هو : المؤمن ، والكافر ، والبر ، والفاجر ، والمصلي ، والصائم .

      وللعباد قدرة على أعمالهم ، ولهم إرادة ، والله خالقهم وقدرتهم وإرادتهم ؛ كما قال تعالى : لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) .

      التالي السابق


      ش وكذلك لا منافاة بين عموم خلقه تعالى لجميع الأشياء ، وبين كون العبد فاعلا لفعله ؛ فالعبد هو الذي يوصف بفعله ، فهو المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، والمصلي والصائم ، والله خالقه ، وخالق فعله ؛ لأنه هو الذي خلق فيه القدرة والإرادة اللتين بهما يفعل .

      يقول العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي غفر الله له وأجزل مثوبته : [ ص: 260 ] ( إن العبد إذا صلى ، وصام ، وفعل الخير ، أو عمل شيئا من المعاصي ؛ كان هو الفاعل لذلك العمل الصالح ، وذلك العمل السيئ ، وفعله المذكور بلا ريب قد وقع باختياره ، وهو يحس ضرورة أنه غير مجبور على الفعل أو الترك ، وأنه لو شاء لم يفعل ، وكان هذا هو الواقع ؛ فهو الذي نص الله عليه في كتابه ، ونص عليه رسوله ؛ حيث أضاف الأعمال صالحها وسيئها إلى العباد ، وأخبر أنهم الفاعلون لها ، وأنهم ممدوحون عليها إن كانت صالحة ومثابون ، وملومون عليها إن كانت سيئة ومعاقبون عليها .

      فقد تبين بلا ريب أنها واقعة منهم باختيارهم ، وأنهم إذا شاءوا فعلوا ، وإذا شاءوا تركوا ، وأن هذا الأمر ثابت عقلا وحسا وشرعا ومشاهدة .

      ومع ذلك ؛ إذا أردت أن تعرف أنها وإن كانت كذلك واقعة منهم كيف تكون داخلة في القدر ، وكيف تشملها المشيئة ؟ ! فيقال : بأي شيء وقعت هذه الأعمال الصادرة من العباد خيرها وشرها ؟ فيقال : بقدرتهم وإرادتهم ؛ هذا يعترف به كل أحد ، فيقال : ومن خلق قدرتهم وإرادتهم ومشيئتهم ؟ فالجواب الذي يعترف به كل أحد أن الله هو الذي خلق قدرتهم وإرادتهم ، والذي خلق ما به تقع الأفعال هو الخالق للأفعال .

      فهذا هو الذي يحل الإشكال ، ويتمكن العبد أن يعقل بقلبه اجتماع القدر والقضاء والاختيار .

      ومع ذلك فهو تعالى أمد المؤمنين بأسباب وألطاف وإعانات متنوعة وصرف عنهم الموانع ؛ كما قال صلى الله عليه وسلم : [ ص: 261 ] أما من كان من أهل السعادة ؛ فسييسر لعمل أهل السعادة ، وكذلك خذل الفاسقين ، ووكلهم إلى أنفسهم ؛ لأنهم لم يؤمنوا به ، ولم يتوكلوا عليه ، فولاهم ما تولوا لأنفسهم ) اهـ .

      وخلاصة مذهب أهل السنة والجماعة في القدر وأفعال العباد ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة من أن الله سبحانه هو الخالق لكل شيء من الأعيان والأوصاف والأفعال وغيرها ، وأن مشيئته تعالى عامة شاملة لجميع الكائنات ، فلا يقع منها شيء إلا بتلك المشيئة ، وأن خلقه سبحانه الأشياء بمشيئته إنما يكون وفقا لما علمه منها بعلمه القديم ، ولما كتبه وقدره في اللوح المحفوظ ، وأن للعباد قدرة وإرادة تقع بها أفعالهم ، وأنهم الفاعلون حقيقة لهذه الأفعال بمحض اختيارهم ، وأنهم لهذا يستحقون عليها الجزاء : إما بالمدح والمثوبة ، وإما بالذم والعقوبة ، وأن نسبة هذه الأفعال إلى العباد فعلا لا ينافي نسبتها إلى الله إيجادا وخلقا ؛ لأنه هو الخالق لجميع الأسباب التي وقعت بها .




      الخدمات العلمية