الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 150 ] كتاب صلاة الخوف :

حديث : { أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة الخوف في غزوة الخندق }. تقدم في الأذان .

صلاة علي ليلة الهرير ، وصلاة أبي موسى وحذيفة . يأتي الكلام عليها آخر الباب .

668 - ( 1 ) - حديث : صلاته ببطن نخل ، وهي أن يصلي مرتين كل مرة بفرقة رواها جابر وأبو بكرة . فأما حديث جابر : فرواه مسلم { أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ، فصلى بإحدى الطائفتين ركعتين ، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين } ، الحديث وذكره البخاري مختصرا ، ورواه الشافعي والنسائي وابن خزيمة من طريق الحسن عن جابر ، وفيه : { أنه سلم من الركعتين أولا ، ثم صلى ركعتين بالطائفة الأخرى }. وأما أبو بكرة : فروى أبو داود حديثه ، وابن حبان والحاكم والدارقطني ، ففي رواية أبي داود ، وابن حبان أنها الظهر ، وفي رواية الحاكم ، [ ص: 151 ] والدارقطني أنها المغرب ، وأعله ابن القطان بأن أبا بكرة أسلم بعد وقوع صلاة الخوف بمدة ، وهذه ليست بعلة ، فإنه يكون مرسل صحابي .

( تنبيه ) :

ليس في رواية أبي بكرة أن ذلك كان ببطن نخل .

669 - ( 2 ) - حديث : { صلاته صلى الله عليه وسلم بعسفان }. متفق عليه من حديث سهل بن أبي حثمة ، ورواه أبو داود ، والنسائي ، وابن حبان ، والحاكم ، من حديث أبي عياش الزرقي .

( قوله ) اختلف الأصحاب في ذلك - يعني في الكيفية التي ذكرها الشافعي في المختصر - أن أهل الصف الثاني يسجدون معه في الركعة الأولى ، والأول في الثانية ، فقال بعضهم : هذه الكيفية منقولة عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من قال : هذا خلاف الترتيب في السنة ، فإن الثابت في السنة أن أهل الصف الأول يسجدون معه في الركعة الأولى ، وأهل الصف الثاني يسجدون معه في الثانية ، والشافعي عكس ذلك ، وقالوا : المذهب ما ورد في الخبر ; لأن الشافعي قال : إذا رأيتم قولي مخالفا لما في السنة فاطرحوه . قال المصنف : واعلم أن مسلما ، وأبا داود ، وابن ماجه ، وغيرهم من أصحاب المسانيد لم يرووا إلا الثاني ، نعم في بعض الروايات : أن طائفة سجدت معه ثم في الركعة الثانية سجد معه الذين كانوا قياما ، وهذا يحتمل الترتيبين معا ، ولم يقل الشافعي : إن الكيفية التي ذكرتها صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان ، ولكن قال : هذا نحوها انتهى كلامه ، وما أشار إليه من أن الجماعة الذين ذكرهم لم يرووا الكيفية المذكورة صحيح كما ذكر ، وقد

[ ص: 152 ] بينا رواياتهم ، وأما الرواية المبهمة التي فيها الاحتمال الذي أبداه ، فرواها البيهقي من حديث ابن إسحاق ، حدثني داود بن الحصين ، عن عكرمة ، { عن ابن عباس قال : ما كانت صلاة الخوف إلا كصلاة أحراسكم هؤلاء اليوم خلف أئمتكم إلا أنها كانت عقبا قامت طائفة وهم جميع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجدت معه طائفة ، ثم قام وسجد الذين كانوا قياما لأنفسهم ثم قام وقاموا معه جميعا } - الحديث - وإسناده حسن .

( قوله ) ومن أصحابنا من قال : يحرسون في الركوع أيضا ، ففي بعض الروايات ما يدل عليه انتهى . وهو ظاهر رواية البخاري من طريق ابن عباس ، وزعم النووي أنه وجه شاذ فإن أراد في صفة صلاة عسفان فصحيح ، وإن أراد مطلقا فلا .

قوله : واشتهر أن الصف الثاني يحرسون في الركعة الأولى - الحديث - وفي آخره : كذلك ورد في الخبر ، وهو مثل حديث أبي عياش الزرقي الذي تقدم ، ففيه : { لما حضرت العصر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف مستقبل القبلة ، والمشركون أمامه وصف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم صف ، وصف بعد ذلك الصف صف آخر ، فركع وركعوا جميعا ، ثم سجد وسجد الصف الذي يلونه ، وقام الآخرون يحرسونهم } - الحديث .

670 - ( 3 ) - حديث : { صلاته صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع }. رواه مالك عن يزيد بن رومان ، عن صالح بن خوات بن جبير ، عن من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع ، ورواها أبو داود ، [ ص: 153 ] والنسائي ، عن صالح ، عن سهل بن أبي حثمة ، ورواها ابن عمر . أما حديث مالك : فأخرجه أيضا الشيخان . وأما حديث سهل بن أبي حثمة فرواه مالك أيضا ; إلا أنه لم يرفعه ، ورواه باقي الستة مطولا ومختصرا ولفظ النسائي : أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف ، فصف صفا خلفه ، وصفا مصافو العدو ، فصلى بهم ركعة ، ثم ذهب هؤلاء ، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ، ثم قاموا فقضوا ركعة ركعة . رواه البخاري والأربعة موقوفا أيضا .

وأما حديث ابن عمر : فمتفق عليه أيضا ، وأخرجه الثلاثة ولفظه : { غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد ، فوازينا [ ص: 154 ] العدو ، فصففناهم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا ، فقامت طائفة معه ، وأقبلت طائفة على العدو ، وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه ركعة . وسجد سجدتين ، ثم انصرفوا } - الحديث - لفظ البخاري .

وأخرج أبو داود من طريق خصيف ، عن أبي عبيدة ، عن أبيه قال : { صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ، فقاموا صفا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصف مستقبل العدو ، فصلى بهم ركعة ، ثم جاء الآخرون فقاموا في مقامهم واستقبل هؤلاء العدو } - الحديث . وروى ابن حبان من حديث عائشة في صفة صلاة الخوف بذات الرقاع مطولا نحو حديث ابن عمر .

( فائدة ) :

رويت صلاة الخوف عن النبي صلى الله عليه وسلم على أربعة عشر نوعا ، ذكرها ابن حزم في جزء مفرد ، وبعضها في صحيح مسلم ، ومعظمها في سنن أبي داود ، واختار الشافعي منها الأنواع الثلاثة المتقدمة ، ووهم من نقل عنه أنه اختار الرابعة ، وهي غزوة ذي قرد التي أخرجها النسائي فإن الشافعي ذكرها فقال : روي حديث لا يثبت : { أنه صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد لكل طائفة ركعة ، ثم سلموا ، فكانت له ركعتان ، ولكل واحد ركعة . فتركناه }.

قلت : وقد صححه ابن حبان وغيره ، وذكر الحاكم منها ثمانية أنواع ، وابن حبان تسعة وقال : ليس بينها تضاد ، ولكنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف

[ ص: 155 ] مرارا ، والمرء مباح له أن يصلي ما شاء عند الخوف من هذه الأنواع ، وهي من الاختلاف المباح ، ونقل ابن الجوزي عن أحمد أنه قال : ما أعلم في هذا الباب حديثا إلا صحيحا .

( تنبيه ) :

ذكر المصنف أن ذات الرقاع آخر غزواته صلى الله عليه وسلم وتبع في ذلك الوسيط ، وهو غلط بين ، نبه عليه النووي في شرح المهذب ، بل ذكر الواقدي من حديث جابر : { أن أول غزوة صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوف غزوة ذات الرقاع }.

( قوله ) اشتهر في كتب الفقه نسبة هذه الرواية إلى خوات بن جبير ، والمنقول في أصول الحديث رواية صالح ، عن سهل بن أبي حثمة ، ورواية صالح عن من صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ; فقال : فلعل هذا المبهم هو خوات أبو صالح . انتهى . وظاهره أنه لا يوجد في أصول الحديث من رواية صالح بن خوات عن خوات ، والأمر بخلاف ذلك ، فقد أخرجه البيهقي من طريق الشافعي : أنا بعض أصحابنا ، عن عبد الله بن عمر ، عن عبيد الله بن عمر ، عن القاسم بن محمد ، عن صالح بن خوات بن جبير ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث يزد بن رومان ، قال البيهقي : وقد رويناه عن عبد العزيز الأويسي ، عن عبد الله بن عمر بإسناده هكذا موصولا ، قلت : وهو في المعرفة لابن منده في ترجمة خوات .

التالي السابق


الخدمات العلمية