الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الطريق الثالث : القسامة : مصدر أقسم ، معناه : حلف حلفا ، والمراد هاهنا : الأيمان المذكورة في دعوى القتل ، وقيل : هي الأيمان إذا كثرت على وجه المبالغة ، وأهل اللغة يقولون : إنها القوم الحالفون ; سموا بالمصدر ، نحو [ ص: 288 ] رجل عدل ورضا ، قال ابن يونس : كانت في الجاهلية فأقرها الشرع ، وأصلها : الكتاب والسنة ، وإجماع الأئمة ، أما الكتاب : فقوله تعالى : ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا ) ووكل تعالى بيان هذا السلطان للنبي صلى الله عليه وسلم فبينه بالقسامة ، وأما السنة : فما في الصحيح : ( أن عبد الله بن إسماعيل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهم ، فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن إسماعيل قد قتل وطرح في فقير بئر ، فأتى يهود فقال : أنتم والله قتلتموه ، قالوا : والله ما قتلناه ، فأقبل حتى قدم على قومه فذكر لهم ذلك ، ثم أقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الرحمن ، فذهب محيصة ليتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كبر ، كبر ، يريد : السن ، فتكلم حويصة ، ثم تكلم محيصة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إما أن تدوا صاحبكم ، وإما أن تأذنوا بحرب من الله ، فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فكتبوا إنا والله ما قتلناه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن : أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم ؟ فقالوا : لا ، فقال : فليحلف لكم يهود . قالوا ليسوا بمسلمين ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده ، فبعث إليهم بمائة ناقة حتى أدخلت إليهم الدار ، قال سهل : لقد ركضتني .

                                                                                                                فوائد ، في المنتقى : الفقير حفير يتخذ في السرب الذي يصنع للماء تحت الأرض يحمل فيه الماء من موضع إلى غيره ، ويعمل عليه أفواه كأفواه الآبار بمناقش على الشرب ، فتلك الآبار واحدها فقير ، وقوله : كبر : تقديم السن إما لأنه ساواهم في [ ص: 289 ] غير السن ورجح عليهم به ، أو لأن ما عداه مظنون ، وفضيلة السن معلومة ، وقوله عليه السلام : ( إما أن تدوا صاحبكم ) يحتمل إعطاء الدية لأنهم لم يدعوا قتله عمدا ، أو لم يعينوا القاتل ، فلا يلزم القصاص كالقتيل بين الصفين لا يقول : دمي عند فلان ، وقوله عليه السلام : ( تحلفون ) دليل على أنه لا يحلف أقل من اثنين ، وقوله عليه السلام : ( وتستحقون دم صاحبكم ) يحتمل أنهم أتوا بلوث ، أو يحمل على أن اسم ما يوجب ذلك . وقوله عليه السلام : ( دم صاحبكم ) يحتمل ما يجب لكم في دم صاحبكم المقتول أو القاتل ، وفي بعض الطرق : قاتلكم فعين الاحتمال ، وما بعث به عليه السلام إليهم إنما هو تفضيل وجبر لمصابهم من بيت المال لما لم يثبت المال لم يثبت لهم شيء ، وقوله : ( ركضتني منها ناقة حمراء ) ; ليبين قوة ضبطه للحديث بذكر أحواله .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية