الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        باب الخلع

                                                                                                        ( وإذا تشاق الزوجان وخافا أن لا يقيما حدود الله فلا بأس بأن تفتدي نفسها منه بمال يخلعها به ) لقوله تعالى: { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } [ ص: 494 ] ( فإذا فعلا ذلك وقع بالخلع تطليقة بائنة ولزمها المال ) لقوله عليه الصلاة والسلام : { الخلع تطليقة بائنة }ولأنه يحتمل الطلاق حتى صار من الكنايات والواقع بالكنايات بائن ، إلا أن ذكر المال أغنى عن النية هنا ، ولأنها لا تسلم المال إلا لتسلم لها نفسها وذلك بالبينونة ( وإن كان النشوز من قبله يكره له أن [ ص: 495 ] يأخذ منها عوضا ) لقوله تعالى: { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج }إلى أن قال : { فلا تأخذوا منه شيئا }ولأنه أوحشها بالاستبدال فلا يزيد في وحشتها بأخذ المال .

                                                                                                        ( وإن كان النشوز منها كرهنا له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ) . وفي رواية الجامع الصغير : طاب الفضل أيضا لإطلاق ما تلونا بدءا ، ووجه الأخرى { قوله عليه الصلاة والسلام في امرأة ثابت بن قيس بن شماس : أما الزيادة فلا وقد كان النشوز منها }( ولو أخذ الزيادة جاز في القضاء ) [ ص: 496 ] وكذلك إذا أخذ والنشوز منه ; لأن مقتضى ما تلوناه شيئان : الجواز حكما والإباحة ، وقد ترك العمل في حق الإباحة لمعارض فبقي معمولا في الباقي .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        باب الخلع

                                                                                                        الحديث الأول : قال عليه السلام : { الخلع تطليقة بائنة }; قلت : روى الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننيهما " من حديث عباد بن كثير عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس [ ص: 494 ] { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلع تطليقة بائنة }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بعباد بن كثير الثقفي ، وأسند عن البخاري ، قال : تركوه .

                                                                                                        وعن النسائي ، قال : متروك الحديث ، وعن شعبة قال : احذروا حديثه ، وسكت عنه الدارقطني ، إلا أنه أخرج عن ابن عباس خلافه من رواية طاوس عنه ، قال : الخلع فرقة ، وليس بطلاق ، وهذا رواه عبد الرزاق في " مصنفه " ، وقال : لو طلق رجل امرأته تطليقتين ، ثم اختلعت منه ، حل له أن ينكحها ، ذكر الله الطلاق في أول الأمر ، وفي آخره ، والخلع بينهما انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } مرسل : رواه عبد الرزاق في " مصنفه " حدثنا ابن جريج عن داود بن أبي عاصم عن سعيد بن المسيب { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخلع تطليقة }انتهى . وكذلك رواه ابن أبي شيبة .

                                                                                                        أثر : رواه مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن جمهان مولى الأسلميين عن أم بكر الأسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن خالد بن أسيد ، فأتيا عثمان بن عفان في ذلك . فقال : هي تطليقة ، إلا أن تكون سميت شيئا ، فهو ما سميت انتهى .

                                                                                                        ومن طريق مالك رواه البيهقي ، ونقل عن أبي داود السجستاني أنه سأل أحمد بن حنبل عن جمهان هذا . فقال : لا أعرفه ، وضعف الحديث من أجله ; واستدل ابن الجوزي في " التحقيق " لمذهبنا بحديث أخرجه أبو داود ، والترمذي عن هشام بن يوسف ثنا معمر [ ص: 495 ] عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس { أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه ، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد بحيضة }انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وصححه ، قال : إلا أن عبد الرزاق أرسل عن معمر . انتهى .

                                                                                                        وتعقبه صاحب " التنقيح " ، وقال : الحديث حجة لمن قال : الخلع ليس بطلاق ، إذ لو كان طلاقا لم تعتد فيه بحيضة . قال : وعمرو بن مسلم ، هذا هو الجندي اليماني ، روى له مسلم ، ووثقه ابن حبان ، وقال ابن حزم : ليس بشيء ، ورد الحديث من أجله انتهى .

                                                                                                        أثر آخر : رواه مالك في " الموطأ " عن نافع أن ربيع بنت معوذ جاءت هي وعمتها إلى عبد الله بن عمر ، فأخبرته أنها اختلعت من زوجها في زمان عثمان بن عفان ، فبلغ ذلك عثمان ، فلم ينكره ، فقال ابن عمر : عدتها عدة المطلقة ، قال مالك : إنه بلغه أن سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، وابن شهاب ، كانوا يقولون : عدة المختلعة ثلاثة قروء انتهى .

                                                                                                        الحديث الثاني : { قال عليه السلام في امرأة ثابت بن قيس بن شماس : أما الزيادة فلا ، وقد كان النشوز من جهتها }; قلت : روي مرسلا عن عطاء ، وعن أبي الزبير .

                                                                                                        فحديث عطاء : رواه أبو داود في " مراسيله " عنه ، قال : { جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها ، فقال : أتردين عليه حديقته التي أصدقك ؟ قالت : نعم ، وزيادة ، [ ص: 496 ] قال : أما الزيادة فلا }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا حفص عن ابن جريج عن عطاء ، فذكره ; ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا ابن جريج عن عطاء به ، ورواه الدارقطني في " سننه " عن غندر عن ابن جريج به . قال الدارقطني : هذا [ ص: 497 ] مرسل ; وقد أسنده الوليد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ، والمرسل أصح انتهى . [ ص: 498 - 500 ]

                                                                                                        وحديث أبي الزبير : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن حجاج عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير { أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي ابن سلول ، وكان أصدقها حديقة ، فكرهته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته التي أعطاك ؟ قالت : نعم ، وزيادة ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما الزيادة فلا ، ولكن حديقته ، قالت : نعم ، فأخذها وخلى سبيلها }انتهى . قال : سمعه أبو الزبير من غير واحد ، ثم أخرج عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يأخذ الرجل من المختلعة أكثر مما أعطاها } ، انتهى .

                                                                                                        أحاديث الباب : روى ابن ماجه في " سننه " حدثنا أزهر بن مروان ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ، { أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : والله ما أعتب على ثابت في دين ، ولا خلق ، ولكني [ ص: 501 ] أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضا ، فقال عليه السلام : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم ، فأمره عليه السلام أن يأخذ منها حديقته ، ولا يزداد }انتهى .

                                                                                                        ورواه الطبراني في " معجمه " عن عبيد الله بن عمر القواريري ثنا عبد الأعلى به ، والحديث في " صحيح البخاري " ليس فيه ذكر الزيادة ، أخرجه عن عكرمة عن ابن عباس { أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ما أعتب عليه في خلق ، ولا دين ، ولكني أكره }; وفي رواية منقطعة : { ولكني لا أطيق الكفر في الإسلام ، فقال عليه السلام : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم ، فقال عليه السلام : اقبل الحديقة وطلقها تطليقة }انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ : { وأمره ففارقها }; وأخرجه ابن ماجه عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : { كانت حبيبة بنت سهل تحت ثابت بن قيس ، وكان رجلا دميما ، فقالت : يا رسول الله والله لولا مخافة الله لبصقت في وجهه إذا دخل علي ، فقال عليه السلام : أتردين عليه حديقته ؟ قالت : نعم ، فردتها عليه ، وفرق بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم }; ورواه أحمد في " مسنده " من حديث سهل بن أبي حثمة بلفظ ابن ماجه هذا ، وسماها حبيبة بنت سهل الأنصارية ، وزاد فيه : { وكان ذلك أول خلع في الإسلام } ، وتقدم عند ابن ماجه أيضا : جميلة ، وتقدم اسمها عند الدارقطني ; زينب ، فالله أعلم ; ورواه أبو داود من حديث عمرة عن عائشة أن حبيبة بنت سهل ، فذكره بنحوه ; وفي البخاري سماها : جميلة ، والله أعلم .




                                                                                                        الخدمات العلمية