الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( 7 ) باب المساجد ومواضع الصلاة

الفصل الأول

689 - عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت ، دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه ، فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة ، وقال : ( هذه القبلة ) . رواه البخاري .

[ ص: 583 ] 690 - ورواه مسلم عنه ، عن أسامة بن زيد .

التالي السابق


( 7 ) باب المساجد ومواضع الصلاة

تعميم بعد تخصيص أو عطف تفسير ، والمسجد لغة محل السجود ، وشرعا : المحل الموقوف للصلاة فيه ، وقيل : الأرض كلها لخبر : جعلت لي الأرض مسجدا . ورد : بأن المراد بالمسجد فيه ، ما تجوز فيه الصلاة ; احترازا من بقية الأنام ، فإنهم كانوا لا تجوز لهم الصلاة إلا في بيعهم وكنائسهم ، كما جاء في رواية ، وفي أخرى عند البزار : ولم يكن أحد من الأنبياء يصلي حتى يبلغ محرابه . وقد روى ابن أبى شيبة : أن أبا ذر قال لابنه : يا بني ليكن المسجد بيتك ; فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( المساجد بيوت المتقين ، فمن يكن المسجد بيته ; تضمن الله تعالى له الروح والرحمة والجواز على الصراط إلى الجنة ) . وعن الأعمش ، عن عبد الرحمن بن معقل : كنا نتحدث أن المسجد حصن حصين من الشيطان . وعن ابن عمر : المساجد بيوت الله في الأرض ، وحق على المزور أن يكرم زائره . قال ابن حجر : ولا يعارض خبر أبي داود . وابن خزيمة في صحيحه : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقر الغراب ، وافتراش السبع ، وأن يوطن الرجل المقام أي : المكان من المسجد كما يوطن البعير . وفي رواية للنسائي : وأن يوطن الرجل المقام للصلاة كما يوطن البعير ، وذلك لأن هذا الحديث مداره على تميم بن محمود ، وقد نظر فيه البخاري ، وأجاب عنه ابن حباب على تسليم صحته بأن النهي إنما هو عن اتخاذ محل واحد من المسجد لغير الصلاة والذكر ، واستدل لذلك بما أخرجه عن أبي هريرة قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يوطن الرجل المسجد للصلاة والذكر ، وإلا تبشبش الله تعالى كما يتبشبش أهل الغائب إذا قدم عليهم غائبهم ) . والتبشبش معناه هنا : أنه ينظر إليه بالرأفة والرحمة اهـ . والظاهر في الجواب أن النهي إنما هو عن اتخاذ مكان خاص من المسجد ، ولو لذكر الله والصلاة ، بحيث إنه لا يجلس في غيره ، فإنه يخاف عليه من الرياء ، والفضائل محمولة على اتخاذ المسجد مسكنا للصلاة ، وذكر الله ، لا لغرض آخر من الأغراض الدنيوية والحظوظ النفسية .

[ ص: 582 ] الفصل الأول

689 - ( عن ابن عباس قال : لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت ) أي : الكعبة ، وهو بيت الله الحرام وقبلة المساجد العظام ، وأفضل مساجد الأنام ، وقيل : أفضل من عرش الله الملك العلام . . ( دعا في نواحيه كلها ولم يصل حتى خرج منه ) قال الطيبي : عامة العلماء على جواز النفل داخل الكعبة ; لحديث ابن عمر ، واختلف في الفرض ، فذهب الجمهور إلى جوازه ، ومنع منه مالك ، وأحمد ، وحكى عن محمد بن جرير أنه لا يجوز الفرض والنفل لحديث ابن عباس . قلت : في استدلاله نظر ; لأنه لا يلزم من عدم الصلاة عدم الجواز ، وأما منع مالك وأحمد الفرض دون النفل ; لقوله تعالى : فولوا وجوهكم شطره أي : قبالته ، ومن فيه مستدبر لبعضه ، فله وجه وجيه لحصول التعارض في الجملة ، ولم يثبت أنه عليه السلام صلى الفرض داخله ، وإن ثبت أنه عليه السلام صلى النفل ; إذ يسامح في النافلة ما لا يسامح في الفريضة ، وأما تعليل ابن حجر في تصوير استدلالهما بأنه لم يكن كله قبالته ، ثم رده وتزييفه بالإجماع على أن من صلى خارجها واستقبل بعضها فقط جاز - فمدخل ومعلول . قال الطيبي : وأجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال لأنه مثبت ومعه زيادة علم ، والمراد بالصلاة أي : المعهودة ، يعني لا اللغوية بمعنى الدعاء كما قيل ، ويؤيده قول ابن عمر : نسيت أن أسأله كم صلى . وأما نفي أسامة فيحتمل أنه اشتغل بالدعاء ولم يشعر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما بلال فقد تحققها . ( فلما خرج ركع ) أي : صلى ( ركعتين في قبل الكعبة ) : بضمهما ويسكن الثاني أي : مقدمها ، والقبل خلاف الدبر يعني : مستقبل باب الكعبة . قال ابن حجر : قيل معناه مقابلها ، وقيل ما استقبلك منها ، وهو وجهها الذي فيه الباب ، ويؤيد الثاني رواية ابن عمر في هذا الحديث وصلى ركعتين في وجه الكعبة ، وهي صحيحة ، وهل يؤخذ من ذلك أنه يسن لمن خرج من الكعبة أن يصلي ركعتين في وجهها اقتداء به عليه السلام أو لا ؟ لاحتمال أنه عليه السلام ، إنما صلى ليبين انحصار القبلة في عين الكعبة كما أفاده قول الراوي : ( وقال : ( هذه ) أي : الكعبة وهي البقعة التي فيها البناء ( القبلة ) سميت بها لأن المصلي يقابلها - يعني المشار إليه - القبلة فلا ينسخ إلى غيرها فصلوا إلى الكعبة أبدا . وقال ابن حجر : أي هذه الكعبة هي القبلة لا غيرها كما أفاده تعريف الجزأين ، وهي المسجد الحرام الذي أمرتم باستقباله في الآية ، لا المسجد حولها ولا كل الحرم ، وخبر البيهقي في سننه : البيت قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة لأهل الأرض ضعيف اهـ . وهو قول ضعيف في مذهبنا ، وأما ما اشتهر من فعل الداخلين أنهم يطوفون بعد دخولها فلا أصل له ، بل يتأكد في حقهم إذا دخلوا المسجد أن يطوفوا أولا ثم يدخلوا ثانيا ، ويحتمل وجها آخر وهو : أنه عليه السلام في مقام الإمام ، واستقباله الكعبة من وجه الكعبة دون أركانها وجوانبها الثلاثة ، وإن كانت مجزئة قاله الطيبي . قلت : هذا إنما يتم في الجملة لو كان صلى صلاة فرض جماعة . ( رواه البخاري ) قيل : في روايته توهم إرسال لأن ابن عباس لم يكن مع النبي في حين دخل ، ولعل العذر يقال باختلاف الزمان وتعدد دخوله عليه السلام ، أو أن الكاتب أسقط منه الذي روى عنه ابن عباس ، أو يقال : كان ابن عباس مع من دخل الكعبة ، لكنه لم يشعر بالصلاة ، ذكره الطيبي . وقال ميرك : وفي كل من هذه الاحتمالات نظر يعرف بالتأمل ، والله أعلم . وقال ابن حجر : وقدموا رواية بلال ; لأنها مثبتة وتلك نافية ، والمثبت مقدم لزيادة علمه ، ولأن رواتها أكثر ، والكثرة تفيد الترجيح في الرواية ، ولاضطراب تلك فقد أخرج أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه ، عن ابن عمر : أخبرني أسامة بن زيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة بين الساريتين . والدارقطني ، عن ابن عباس ، أنه صلى الله عليه وسلم دخله وصلى فيه ركعتين ، ولأن خبر ابن عباس هذا أعل بالإرسال لأنه رواه عن أخيه الفضل ، كما أخرجه الطبراني في معجمه فهو لم يرو عن مشاهدته ومشافهته ، بل عن غيره ، وبهذا يندفع قول من قال : في كون الحديث مرسلا بحث .

690 - ( ورواه مسلم عنه ) : أي عن ابن عباس ( عن أسامة بن زيد ) : قال ميرك : وكذا رواه النسائي .




الخدمات العلمية