الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 5 ] ابن شهاب عن عروة بن الزبير بن العوام ، خمسة عشر حديثا ، منها واحد مرسل .

هو عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسدي ، قد ذكرنا نسب أبيه في الصحابة ، أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق ، يكنى أبا عبد الله ، وكان أحد العشرة الفقهاء من تابعي أهل المدينة ، وهم : سعيد ، وأبو سلمة ، وعروة ، والقاسم ، وسالم ، وأبو بكر ، وعبيد الله ، وسليمان ، وخارجة ، وقبيصة .

وكان عروة أحفظهم كلهم ، وأغزرهم حديثا ; روي عنه أنه قال : أدركت حصار عثمان ( بن عفان ) وكان يوم الجمل ابن ثلاث عشرة سنة ، وولد سنة ست وعشرين من الهجرة .

قال مصعب الزبيري : بشر عبد الله بن الزبير بأخيه عروة بن الزبير ، مقدمه من إفريقية ، وذلك سنة ست وعشرين ( من الهجرة ) واستصغر حين خرجوا يوم الجمل ، فرد من الطريق هو وأبو بكر بن عبد الرحمن ، ومات عروة سنة أربع أو خمس وتسعين ، وهو ابن تسع وستين سنة ، وقيل ( بل ) مات عروة سنة إحدى ومائة .

[ ص: 6 ] حكى هذه الجملة الواقدي ، ومصعب ( الزبيري ) ويحيى بن معين ذكر الحلواني ، قال : حدثنا أبو أسامة قال : حدثنا هشام بن عروة عن أبيه ، قال : استصغرنا يوم الجمل فرددت أنا وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، قال : وحدثنا أحمد بن صالح ، قال : حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب قال : وجدت عروة بن الزبير بحرا لا تكدره الدلاء ، قال : وحدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث قال : قلت ليحيى بن سعيد : إن ابن شهاب قال : وجدت عروة بحرا لا تكدره الدلاء ، فقال يحيى : أما أعلمهم بالسنن وأقضية عمر بن الخطاب فابن المسيب ، وأما أكثرهم حديثا فعروة بن الزبير ، قال : وحدثنا سليمان بن حرب قال : حدثنا حماد بن زيد عن أيوب قال : تزوج عروة فأرادوه على أن يفطر فأبى ، وكان يسرد الصوم فأرادوه على الخلوق فأبى ، فلما نام خلقوه وهو نائم ، قال أيوب : وكان عروة إذا دخل أرضه قال : ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله .

وروينا أن عروة قدم على الوليد بن عبد الملك في الشام فأصابته الأكلة في رجله فقطعها ، وهو عند الوليد ولم يتحرك ولا نطق ، ولم يشعر الوليد بها حين قطعت حتى كويت ، فوجد رائحة الكي وبقي بعد ذلك ثماني سنين ، واحتفر بالمدينة بئرا يقال لها : بئر عروة ، [ ص: 7 ] ليس بالمدينة بئر أعذب منها ، وذكر عباس عن ابن معين قال : حدثني الأصمعي قال : أخبرني مالك عن الزهري قال : سألت ابن صعير عن شيء من الفقه ، وكنت أتعلم منه النسب ، فقال : ألك بذا حاجة ؟ عليك بهذا الشيخ ، وأشار إلى سعيد بن المسيب ، فجالسته سبع سنين لا أحسب أن عالما غيره ، ثم تحولت إلى عروة بن الزبير ففجرت به بحرا ، وروينا عن ابن شهاب أيضا أنه قال : كنت أطلب العلم من ثلاثة ; سعيد بن المسيب ، وكان أفقه الناس ، وعروة بن الزبير وكان بحرا لا تكدره الدلاء ، وكنت لا تشاء أن تجد عند عبيد الله طريقة من علم لا تجدها عند غيره إلا وجدتها .

وذكر ابن بكير عن الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة قال : قلت لعراك بن مالك : من أفقه أهل المدينة ؟ فقال : أما أفقههم فقها ، وأعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقضايا أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وأعلمهم بما مضى عليه الناس فسعيد بن المسيب ، وأما أغزرهم حديثا فعروة ، ولا تشاء أن تفجر من عبيد الله بحرا إلا فجرته .

وحدثني خلف بن القاسم قال : حدثنا ابن المفسر قال : حدثنا أحمد بن علي قال : حدثنا القواريري قال : حدثنا يوسف بن الماجشون قال : حدثنا ابن شهاب ، قال : كنت إذا حدثني عروة ، ثم حدثتني عمرة [ ص: 8 ] زاد ذلك عندي صدقا حديث عروة بحديث عمرة ، فلما تبحرتهما إذا عروة بحر لا ينزف .

وحدثنا خلف بن قاسم قال : حدثنا ابن المفسر قال : حدثنا أحمد بن علي قال : حدثنا أحمد بن عيسى قال : حدثنا ابن وهب قال : حدثني يحيى بن أيوب عن هشام بن عروة قال : كان أبي يقول : سلوني إذا خلوت ، وكان يعجب من حفظي ، والله ما تعلمنا منه جزءا من ألفي جزء من حديثه .

قال هشام : وما سمعت أحدا من أهل الأهواء يذكر أبي إلا بخير .

قال أبو عمر : خرج عروة من المدينة ، وترك سكناها ، فعوتب في ذلك ، فذكر ما ذكرناه ( عنه ) في كتاب ( بيان العلم ) .

[ ص: 9 ] قال الواقدي : توفي في أمواله بمجاج بناحية الفرع ، ودفن هناك . ( وقال غيره : توفي بقصره بالعقيق ) وقال ( عبد الله ) بن نمير : توفي علي بن الحسين ، وسعيد بن المسيب ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وعروة بن الزبير سنة أربع وتسعين .

قال الواقدي : فكان يقال : سنة الفقهاء ، وكان عالما عابدا يسرد الصوم حافظا ، حريصا على نشر العلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية